في « توصيف الدولة الفاشلة » وحسابات واشنطن اللبنانية
عبد الهادي محفوظ – رأي اليوم – ما جاء في كتاب « الدولة الرخوة » للأكاديمي السويدي غونار ميردل سنة ١٩٦٨ وفي كتاب « أصول السلطة والإزدهار والفقر »
للمؤلفين دارن اسيموجلو وجيمس روبنسون. ما جاء في هذين الكتابين كأنه توصيف دقيق لما نحن فيه في لبنان. ففي توصيف الدولة الفاشلة وفقا للكتاب الثلاثة نقع على العناوين الآتية:
-تراجع مكانة الدولة وهيبتها داخليا وخارجيا.
-عدم احترام القانون وضعف ثقة المواطنين به وعدم تطبيقه.
-وجود نخبة فاسدة تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية.
-تفشي الفقر والتخلف لغياب العدالة الإجتماعية وضعف التمييز.
-نسيج اجتماعي منقسم.
-استشراء الفساد لكافة أشكاله ونهب المال العام.
-التهرب الضريبي الجمركي.
-التبعية للخارج وفقدان الدولة سيطرتها على جزء كبير من قرارها الداخلي (دولة تعيش عالة على الخارج).
-ارتباط مصالح النخب السياسية بالمؤسسات الدولية.
-انهيار البنية المدرسية والجامعية.
-الإعتماد على الخارج وعدم الإعتماد على القدرات الذاتية.
-الإنحياز إلى الأغنياء وإفقار الفقراء وتحميلهم فواتير الفساد.
-عدم احترام حقوق الإنسان وكرامات الناس.
-غياب الشفافية وعدم الفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة وتحديدا بين المال العام والمال الخاص.
والإستنتاج أن كل هذه الأمور « تنتج حروبا أهلية ونزوحا جماعيا وأوبئة ومجاعات » وفقا لما ينتهي إليه الكتاب الثلاثة. فعندما تدخل الدول في ما يسميه هؤلاء « الحلقة المفرغة » فإن ذلك مؤشر حقيقي على الإنهيار للمؤسسات وعلى التبعية للخارج وعلى المساومات معه.
تفكك البنى اللبنانية على اختلافها وارتفاع منسوب التشكيك بين المكونات الداخلية وداخل كل مكون يسهل مهمة « الخارج الدولي » في توجيه الأمور نحو « المخارج » التي يرتأيها. ولعل الوضع الحالي اللبناني هو الأمثل للسياسة الأميركية في سعيها لصياغات المستقبل اللبناني. فواشنطن أصبحت الوسيط المقبول دوليا من كل الذين يستحوزون على السياسة والإقتصاد. ولكن واشنطن غير مستعجلة فهي تعرف وتدرك بأنها الوحيدة التي يمكنها أن تحول دون الإنهيار الكامل وتربط خشبة الخلاص بترسيم الحدود البرية والبحرية وتنفيذ القرارات الدولية والعمل على « كيانية لبنانية » لا تعترض على التطبيع العربي.
وحقيقة الأمر أن « الإفراج المتدرج » عن الضغوط الأميركية على لبنان يرتبط باستجابة السلطة السياسية اللبنانية للمطالب الأميركية. وواشنطن تريد أن تأتي هذه الإستجابة من سلطة تفتقر إلى القرار الواحد ويتحكم بها الإنقسام. فلا يهمها والحال هذه أن تنتزع ما تريد من حكومة تتشكل أو من حكومة تصريف أعمال. المهم أن يبقى الوضع اللبناني مهزوزا ومحتاجا للخارج. وعندها تفرج واشنطن نسبيا عن الغاز والكهرباء وعن مساهمات محدودة للبنك الدولي والصندوق الدولي ومساهمات أوروبية وخليجية.
وخلاصة الأمر وصلنا في لبنان إلى ما يسميه الكاتب جيمس روبنسون « بمتلازمة اللامبالاة » عند الجمهور أي اليأس والإحباط والبحث عن أي متنفس وخصوصا بعد أن انتهى « الحراك الشعبي » الذي بدأ عفويا وبمشاركة واسعة إلى احتواء مزدوج دولي ومن أطراف في السلطة السياسية نفسها. أما المستفيد الفعلي فكانت الإدارة الأميركية التي وظفت « مطالب الحراك الشعبي » في الوجهة التي تريد كما تستفيد حاليا من ضعف السلطة السياسية وانقسامها. فالواضح أن لا مخارج محلية لا لانهيار العملة اللبنانية إزاء الدولار ولا لارتفاع الأسعار ولا لأزمة البنزين والمازوت ولا لأزمة الدواء والإستشفاء ولا لهجرة الشباب وارتفاع معدلات البطالة. كل هذه الأمور تضع لبنان أمام تحولات عميقة لا يستبعد فيها التقسيم والفيدرالية وحتى غياب الكيان. فالتحصين الفعلي يكون بوحدة وطنية وبمواطنة واحدة وهوية جامعة. وهذا يحتاج إلى « متحد وطني اجتماعي تاريخي » غير متوفر في اللحظة الراهنة ولا في المستقبل القريب ومثل هذا « المتحد التاريخي » كان الإمام السيد موسى الصدر قد دعا إليه كسياج فعلي يحمي « الوطن الصغير. »
وأخيرا مفارقة غريبة إنما تجد تفسيرها في تحميل الفقراء مسؤولية الأزمات كما جرى مع سياسيبن لبنانيين حملوا النازحين السوريين مسؤولية أزمة الغذاء والرغيف.
وختاما كيف ترى الإدارة الأميركية انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة في ضوء معطيات « الدولة الرخوة ». هنا أربعة أسماء مطروحة في الداخل اللبناني : رئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق جبران باسيل، رئيس القوات اللبناني الدكتور سمير جعجع، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون. لكل من هذه الأسماء الأربعة خصوصياته. إنما المصلحة الأميركية الفعلية تكمن في اختيار رئيس ضعيف إذا لم تحصل تعديلات حقيقية في توصيفات الدولة الراهنة.
Laisser un commentaire