اقرار فرنسي بقتل المناضل الجزائري ابو منجل
اقر الرئيس الفرنسي ماكرون بأن المناضل الجزائري علي بومنجل قد « تعرّض للتعذيب والقتل » على أيدي الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير الوطنية، متراجعا بذلك عن الرواية الفرنسية بأنه انتحر. وبحسب بيان رسمي لقصر الإليزيه فإنّ بومنجل قد أوقفه الجيش الفرنسي خلال « معركة الجزائر » وأخفاه ثم عذبه وقتله في 23 مارس/آذار 1957.وجاء إقرار ماكرون بمسؤولية فرنسا عن الاغتيال، يضيف المصدر، استنادا إلى ما ورد في مذكرات أوساريس الذي اعترف سابقا أنه أمر احد مرؤوسيه بقتله والترويج لرواية الانتحار
استقبل ماكرون في قصر الإليزيه 4 أحفاد للشهيد بومنجل، ثم خاطبهم مباشرة باسم فرنسا قائلا « ما تمنت مليكة بومنجل (أرملة المناضل الجزائري) سماعه: علي بومنجل لم ينتحر..نعم فقد عُذب وقُتل ». ثم أكد أمامهم مواصلة جمع الشهادات وتشجيع عمل المؤرخين من خلال فتح الأرشيف، وهو ما انطلق فيه منذ عديد السنوات، لأن « بادرة الاعتراف هذه ليست فعلا منعزلا، بل ستتوسع وتتعمق خلال الأشهر المقبلة » بحسب البيان. وأدرج ماكرون خطوته الجديدة تجاه الذاكرة مع الجزائريين على أنها إرادة في المضي قدماً نحو التهدئة والمصالحة، معتبرا أنّ الاعتراف بحقيقة الوقائع لن يسمح بغلق الجراح المفتوحة، لكن سيساعد على تمهيد الطريق للمستقبل، وفق تعبيره. ويعدّ هذا التقدّم من ماكرون في الاعتراف بجرائم الاستعمار تنفيذا لمقترحات المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا الذي دعا في 20 يناير/كانون الثاني الماضي إلى كشف الحقيقة بشأن المختفين ممن تعرضوا للاغتيالات خلال الثورة الجزائرية، وذكر على رأسهم بومنجل. وسبق للرئيس الفرنسي الحالي أن اعترف عام 2018 بمسؤولية الدولة الفرنسية عام 1957عن مقتل موريس أودان المناضل المساند لاستقلال الجزائر
من جانب آخر، تبقى واقعة تصفية الشهيد بومنجل واحدة من وقائع كثيرة لاغتيالات أخرى، مثل مقتل الشهيدين البارزين العربي بن ميهيدي والعربي التبسي. وأحصت وزارة المجاهدين قائمة تضم 2100 شهيد مفقود خلال الثورة التحريرية، حسبما كشف عنه وزير المجاهدين الطيب زيتوني في سبتمبر/أيلول 2018. وكشف حينها المسؤول الحكومي أنّ الجزائر لا تعرف مكان دفنهم إلى اليوم. وشدّد على أنّ قضية الشهيد بومنجل ليست خسارة لذاكرة عائلته، كما يتحدث الرئيس الفرنسي، بل خسارة كبرى لكل جزائري يحس بانتمائه إلى الجزائر من جهته، أنّ بومنجل شخصية جزائرية مؤثرة ضمن جيل من الشباب المثقف للثورة، مثل أحمد بومنجل، وأحمد فرنسيس، وقدور ساطور. وهو يمثل الروح الجديدة التي اعتمد عليها فرحات عباس ضمن الاتحاد الديمقراطي الجزائري في تواصله مع الحركة الاستقلالية بزعامة مصالي الحاج. فقد عمّت أعمال المناضل والسياسي والمحامي بومنجل الجميع، فهو مدافع قوي عن القضايا الوطنية والإنسانية
وباندلاع الثورة في فاتح نوفمبر/تشرين الأول 1954، أصبح بومنجل من أهمّ المحامين اللامعين محليا ودوليّا، الذين دافعوا عن الثوار الجزائريين، فقد انضم لها عام 1955، مع صديقه القديم عبان رمضان بعد مغادرة الأخير للسجن الاستعماري. في 9 فبراير/شباط 1957، ألقى جيش الاحتلال الفرنسي القبض على بومنجل الملاحَق، ليتعرض للتعذيب لمدة شهر كامل على يد الجنرال بول أوساريس وأعوانه. وفي 23 مارس/آذار من نفس العام، تمّ رميه من الطابق السادس من إحدى البنايات بقلب العاصمة الجزائرية، وقتها أعلن الاحتلال عن رواية الانتحار الوهميّة، قبل أن تفصح الحقيقة عن نفسها بعد مرور 43 عامًا، بمذكرات أوساريس عام 2000. ولذلك تحتفل الجزائر منذ 2004 بتاريخ 23 مارس/آذار كيوم وطني للمحامين، باعتباره موافقا لذكرى تصفية المحامي والمناضل الثوري بومنجل. ويعتبر المحامون الجزائريون احتفاءهم السنوي بهذه المحطة بمثابة تكريم لكافة المحامين الوطنيين الذين رافعوا خلال الثورة، بل دفعوا حياتهم ثمنا لحرية واستقلال الجزائر. ولد بومنجل في 24 مايو/أيار 1919 لأسرة مثقفة، درس في كلية دوفرييه في مدينة البليدة (50 كلم جنوب العاصمة) ليتعرّف في وقت مبكّر على مناضلي حزب الشعب الذين صاروا لاحقا رموز الثورة الجزائرية ضمن قيادة جبهة التحرير الوطني، من أمثال عبان رمضان وبن يوسف بن خدة وسعد دحلب. كما رافق المحامي الفرنسي الشهير جاك فيرجيس، بعدما وجّه مسيرته المهنية نحو القانون، وقبلها اشتغل صحفيًا في جريدة المساواة التي أشرف عليها أنصار المناضل فرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة للجزائر. يحتلّ المحامي والزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل -والذي اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه « تعرّض للتعذيب والقتل » على أيدي الجيش الفرنسي قبل 64 سنة- رمزية خاصة ضمن قيادات ثورة التحرير الجزائرية ضد الاحتلال، بالنظر إلى مساره الحقوقي الحافل بالدفاع عن مناضلي الثورة الجزائرية، فهو واحد من النخبة الثوريّة المثقفة ذات التكوين العالي تلك الفترة. كما أنّ الطريقة الشنيعة التي تمت تصفيته بها، مقابل التسترّ طيلة 7 عقود على مقتله، جعل قضية المحامي المغدور لغزا يبحث عن فكّ عقدة الإنكار أمام محكمة الضمير والتاريخ
Laisser un commentaire