نقاشات حول واقع الاسلام السياسي في فرنسا
أودعت لجنة، شكلت نهاية عام 2019 بطلب من أعضاء حزب الجمهوريين الفرنسي في مجلس الشيوخ، تقريرها الخاص بمظاهر الإسلام السياسي الذي وصفته بـ »متعدد الأشكال ويتغلغل في جميع جوانب الحياة الاجتماعية ويميل إلى فرض معيار اجتماعي جديد من خلال استغلال الحرية الفردية ». وحذرت السيناتورة جاكلين أوستاش برينيو، المشاركة في إعداد التقرير، من « أننا نثير قضية اجتماعية » لأن « كل فرنسا، ما عدا المناطق الغربية، متضررة من الإسلام الراديكالي« . وأضافت « اليوم في فرنسا يوضع أناس قيد الإقامة الجبرية باسم معيار ديني. لا يمكننا قبول ذلك. إما أن نبدأ بالتحرك الآن ضد ذلك وإما لن نتمكن فيما بعد من فعل شيء ». وبحسب صحيفة « لوفيغارو » التي حصلت على نسخة من التقرير، فإن اللجنة، التي تتكون من حوالي ثلاثين عضواً في مجلس الشيوخ، أجرت مقابلات مع فاعلين في المؤسسات الرسمية وأعضاء في منظمات المجتمع المدني وباحثين وقادة سياسيين في محاولة لرسم أكبر صورة ممكنة للتهديدات التي يشكلها الإسلام المتطرف على الجمهورية الفرنسية. وقالت اللجنة « إن فرنسا، وهي ليست مجموعة من الأقليات بل أمة، لا يمكنها أن تتبنى مذهب إقامة ترتيبات معقولة » خاصة بكل مجموعة. وتابعت إنها تشعر بالقلق من « انتشار السلوكيات التي تضع العيش معاً موضع شك وتؤثر بشكل مباشر على حرية الضمير والمساواة بين الرجال والنساء وحقوق المثليين ». وأكدت أوستاش برينيو أننا « نشهد، خارج الفضاءات الثقافية وفي مناطق وأحياء معينة، على تأسيس نظام وبيئة إسلامية يعيش أفرادها بين بعضهم لبعض فقط ». وقدّم التقرير 44 مقترحاً في المجالات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية من أجل أن تتمكن الجمهورية الفرنسية من « مواجهة » و »إيقاف آلة الدعاية » الإسلامية. بالتوازي مع ذك، رفض التقرير إدراج الإحصاءات على أساس عرقي في فرنسا ودعا إلى تدريب أفضل للشخصيات المنتخبة على مستوى المحليات وكذلك لموظفي الإدارات العامة على العلمانية وحول الإسلام الراديكالي. وبغية منع الإسلاميين من « السيطرة على جزء من السكان الفرنسيين »، دعت اللجنة أيضاً إلى « إعادة إنشاء » مهمة مراقبة مشتركة بين الوزارات لمحاربة الانحرافات الطائفية وأية محاولة لتفعيل « شرطة طوائف » عن طريق تعزيز العقاب في « جريمة التعدي على حرية الضمير ». وبالإضافة إلى منع دعاة وشيوخ وناشطي « الإخوان المسلمين » من دخول الأراضي الفرنسية، طالب أعضاء مجلس الشيوخ بإلزام الجمعيات ذات الطبيعة الثقافية بالشفافية حول مواردها المالية، ولا سيما تلك القادمة من الخارج. وسيكون من الواجب على أي جمعية ترغب في الاستفادة من إعانات السلطات المحلية الفرنسية أن تتعهد « بالتوقيع على ميثاق بما في ذلك احترام قيم الجمهورية »
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اعلن عن سلسلة من التدابير لمحاربة كل أشكال « التطرف الإسلامي » مستخدما تعبيرا مثيرا للجدل هو « الإسلام الانفصالي »، وتحدث أيضا عن انتشار الطائفية، وتراجع قيم العلمانية في بعض الأحياء الفرنسية، بسبب انتشار أفكار الإسلام السياسي، حسب وصفه و أن « النظام العام، والحس العادي بالكياسة، واستقلالية الأذهان والأفراد حيال الدين ليست كلمات فارغة في فرنسا، وهذا يستلزم إطارا متجددا وتناغما مجددا ». وبعد أن اعتبر أنه « لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي تكون العلاقة بين الجمهورية والإسلام صعبة » حرص على الإيضاح أن ثمة « قراءة متشددة وعدائية للإسلام ترمي إلى التشكيك بقوانيننا كدولة حرة ومجتمع حر لا تخضع مبادئهما لتعليمات ذات طابع ديني ». أنه « ينوي وضع أسس لتنظيم » ثاني ديانة في فرنسا وسيفرض قيودا على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى البلاد، وذلك بهدف القضاء على ما وصفه بخطر « الشقاق حيث يقدر عدد المسلمين فيها بستة ملايين وعدد دور العبادة بـ2500.
واعتبر عدد من ممثلي الجالية الإسلامية أن بعضا من هذه الإجراءات كانوا سباقين لاقتراحها لحماية أبنائهم من كل أشكال التطرف، وعبروا عن رفضهم أن يُزج بهم مرة أخرى في مزايدات سياسية بين الأحزاب مع اقتراب موعد كل انتخابات اما عن وجود أحياء في الضواحي الفرنسية تعيش نوعا من الانغلاق، لكن رفض تشخيص الرئيس ماكرون، الذي ربط هذه الظاهرة بانتشار الإسلام والقيم الإسلامية اما عن أسباب تحوّل هذه الأحياء إلى « غيتوهات » فليس دينيا، وليست لها علاقة بالإسلام، ولكن بسبب كل أنواع التهميش والتمييز التي شملت هذه الفئة الاجتماعية منذ عقود من طرف الحكومات المتعاقبة، وبسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبطالة التي تعيشها بشكل يومي وهذه الحملة جاءت للتغطية على المشاكل الحقيقية التي خرج من أجلها ملايين الفرنسيين، بينها التنديد بتردي أوضاعهم المعيشية، ومطالبتهم بالعدالة الاجتماعية، وإصلاح قطاعي التعليم والصحة، وخفض الضرائب.
Laisser un commentaire