لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل؟
خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنايمين نتناياهو، بخطة السلام للشرق الأوسط أو ما يسمى بـ«صفقة القرن» بمباركة صامتة لبعض الدول العربية، شملت الخطة الاعتراف بالحدود الجديدة لكيان إسرائيل، والتي توسعت فيها وضمت القدس إليها والأراضي التي استوطنت فيها من الضفة الغربية. يبقى السؤال الذي علينا معرفته وإدراك أبعاده التاريخية: لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل، ولماذا يتخذ هذا الدفاع عن مصالح إسرائيل صفة الديمومة مع كل الإدرات الأمريكية، وحتى في أشد لحظات الخلاف بين الطرفين، لا تتجاوز أمريكا الخطوط الحمراء أبدًا في رعاية المصالح الإسرائيلية. يحاول هذا التقرير عن الإجابة عن سؤال لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل ومصالحها دائمًا، من خلال استعراض أسباب الدعم للجماعات الإنجيلية الأمريكية، والتي تدعم إسرائيل من أجل عودة المسيح المخلص، وكيف أصبحت دولة إسرائيل الحليف الاستراتيجي الذي لا يمكن للولايات المتحدة التخلص منه في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد صعود الاتحاد السوفيتي في منتصف القرن العشرين
نهاية التاريخ».. الإنجيليون ينتظرون عودة المسيح
للديانة المسيحية حركات ومذاهب مختلفة، وتفسيرات متباينة للنصوص. أحد أكثر الحركات الدينية البروتستانتية انتشارًا في العالم، وفي الولايات المتحدة خاصةً هم حركة «الإنجيليين»، والذين يؤمنون بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس، الذي هو بالنسبة لهم المصدر الوحيد للتعاليم المسيحية، وعلى المسيحيين الالتزام به بشكل حرفيّ من وجهة نظرهم. أحد أبرز الشخصيات الإنجيلية التي اكتسبت شهرة واسعة في أمريكا، والتي من خلالها نستطيع فهم لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل، هو القس بيلي جراهام، والذي عرف بخطاباته الشهيرة التي بثها في الإعلام الوطني الأمريكي، كما عمل جراهام مستشارًا روحيًا للعديد من الرؤساء الأمريكان، وصحيح أنّ جراهام يعتبر أحد أشهر المبشرين الإنجيليين في التاريخ الحديث، إلّا أنّه سبقه شخصية أخطر بكثير، والتي تعتبر الأب الروحي والمؤسس للمنهج «التدبيري». هذا الرجل هو عالم العقيدة جون نيلسون داربي، من أصول أنجلو إيرلندية. والمنهج التدبيري، هو منهجٌ يستقرأ ويستشرف أحداث المستقبل على أساس عقيدة ثابتة وراسخة؛ وهي أنّ الإله قد قسم التاريخ إلى ثلاثة تدابير يشرف عليها بنفسه، وهذه التدابير الثلاث كان ولا يزال يختبر بها جنس البشر. بحسب هذه العقدية، فإن أول حقبة زمنية هي عندما خلق الإله آدم، وعصاه بعدما أكل الفاكهة وأمره بأنّ ينزل إلى الأرض، والثانية عندما عاقب الإله البشر بالطوفان الكبير، وحمل الأخيار بواسطة نوح في سفينته، والثالثة هي حين لم يؤمن اليهود بالمسيح، الذي اعتبرها داربي الجريمة الأكبر في التاريخ، إلّا أنّ التدبير الإلهي الثالث لم ينته بعد، فهو ما زال قائمٌ اليوم إلى أنّ يرينا الإله كيف سيعاقب الجنس البشري على هذه الخطيئة. أثر تفسير داربي للنص المقدس بشكل كبير على الجماعات الإنجيلية التدبيرية في الولايات المتحدة، وقد دفعهم بذلك إلى تنظيم مؤتمرٍ سنوي كبير، يسمى مؤتمر نياجرا للكتاب المقدس، والذي عُقد بين أعوام 1876-1897، وخرج المؤتمر بهذه العبارة الختامية البسيطة: «سيأتي الرب يسوع شخصيًا ليبدأ ألفية جديدة، سيحدث هذا عندما تستعيد إسرائيل أرضها، وعندها ستكون المعرفة الإلهية منتشر في كل بقاع الأرض». أصبحت هذه العبارة السياسة المتبعة من قبل الجماعة الإنجيلية التدبيرية، وبدأوا بالضغط والتأثير على القرارات السياسية في أمريكا، داعمين بذلك مشروع الدولة الإسرائيلي، فقد قاموا بالضغط على الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لتبني ودعم وعد بلفور، الوعد الذي أعطاه رئيس الوزراء البريطاني، جيمس بلفور لليهود لإنشاء دولتهم في فلسطين. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح للحركة الصهيونية تأثيرها ومكانتها في أوروبا، خاصة بعد أحداث الهولوكوست، تبنت جمعيات الإله، وهي مجموعة مكونة من 144 كنيسة وطنية، قرارًا يدين معاداة السامية ويدعو إلى قيامة دولة إسرائيل. بالنسبة لهذه المجموعات الإنجيلية، فإنّ معركة طاحنة ستقوم في تل مجدو، منطقة يشير إليها سفر رؤيا يوحنا، تقع شمال الأراضي المحتلة، 30 كيلومترًا من جنوب شرق مدينة حيفا. ستحدث المعركة عندما تصبح إسرائيل دولة يهودية بشكل كامل، عندها سيعود المسيح لنصرة أتباعه والتخلص من الشر. في أحد الرحلات السياحة الدينية التي تقام في إسرائيل، يشرح أحد المبشرين الإنجيليين عن المعركة ويذكر أنّ دول مثل روسيا، وإيران، وأثيوببيا، وتركيا ستأتي لغزو إسرائيل حاملين بذلك أعلام الأمم المتحدة.
يعارضون نظرية التطور وبيع الكحول.. صعود الإنجيليين في أمريكا
قبل أنّ نعرف الأسباب الرئيسية للإجابة عن لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل، علينا أولًا معرفة أسباب صعود الإنجيليين في أمريكا وهذا التأثير الكبير. فمنذ بداية القرن العشرين، لم تكن هذه الحركات ذا أثر كبير، وذلك لمعارضتهم المستمرة للنهج الليبرالي الذي قلص من دور الدين في الحياة العامة في أمريكا. ففي عام 1933، عارضت الحركة الإنجيلية القانون الذي يسمح ببيع الكحول في المرفقات العامة، وكانت الكنائس الإنجيلية تمنع بيع الكحول إلا في الاستخدام العلمي والطبي. كما عارض الإنجيليون المناهج التعليمية التي تدرس نظرية التطور لداروين، فهنالك حادثة شهيرة عام 1925 قامت بها الكنيسة اتهام أحد مدرسين الثانوية العامة في ولاية تينيسي بتدريسه نظرية التطوير، وقد خالف بذلك المدرس قانون الولاية، الذي يسمى بقانون بتلر الذي ينص على منع تدريس نظرية التطور في المدارس الحكومية، إذ إنّ نظرية التطور تخالف التفسير الحرفي لنظرية خلق الإنسان في الكتاب المقدس. قررت الكنيسة الإنجيلية الانسحاب من ملعب السياسة، والتركيز على القضايا المجتمعية والروحانية، التي حظيت فيها الكنيسة بانتشار مجتمعي كبير. وقد جاءت نبوءة عودة المسيح وقيام دولة إسرائيل حافزًا كبيرًا لهم للعودة إلى معترك السياسة، بالتزامن مع الانتشار الكبير، وصعود نجمين أحد أشهر القساوسة الإنجيليين في أمريكا، وهما جيري فالويل، وبات روبيرتسون، الذين حظيوا شهرتهم من خلال الظهور على وسائل الإعلام الأمريكية. وبالتالي أصبح لهاتين الشخصيتين تأثيرٌ سياسي كبير، فأصبح المرشحون الجمهوريون يتحالفوا مع فالويل لجذب أصوات المسيحيين في أمريكا. أسس فالويل جامعة «الحرية» في ولاية فيرجينيا، التي ضمت ما يقارب الـ12 ألف طالب، و34 ألف طالب عن بعيد. كما أنشأ صديقه روبيرتسون جامعته الأخرى، ضامًا بذلك خمسة آلاف طالب، وفي عام 2007؛ سُرّب خبرٌ بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك كان أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة روبيرتسون. وبعد عام 2006، صعد نجمٌ إنجيلي آخر، وهو القس جون هاجي، الذي يملك قاعدته الأكبر في ولاية تكساس، جنوب الولايات المتحدة، وكان قد أسس أحد أبرز المنظمات الإنجيلية التي تدافع عن إسرائيل، منظمة المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل «كوفي»، هذه المنظمة التي تدافع وتضغط من أجل المصالح الإسرائيلية في واشنطن، وذلك بالتعاون مع شريكها الإستراتيجي، منظمة «أيباك». وللمنظمتين جهودٌ كبيرة للضغط داخل أمريكا، تجعلنا نفهم لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل
الإنجيليون يوثقون علاقاتهم بإسرائيل بعد أحداث النكسة
في 23 يونيو (حزيران) 1969 قام الإنجيلي المبشر بيلي جراهام بلقاء عشرات الحاخامات والزعماء اليهود في أمريكا، وأكدَّ في هذا الاجتماع على ضرورة تأسيس حوار وتواصل بين الإنجيليين واليهود الأمريكان، وإيجاد أرضية مشتركة مع دولة إسرائيل، وكانت هذه إحدى اللحظات المحورية في تاريخ العلاقة بين الحركة البروتستانتية الإنجيلية واليهودية في أمريكا. استطاع جراهام أن بتجاوز أي حساسية أو شك عند الزعماء اليهود، الذي كانوا يرون جراهام أصوليًا متشددًا، ويخبئ حقده على اليهود، وذلك من خلال الاستشهاد بآيات من كتاب العهد القديم، والتأكيد على خطأ وقصور فهم المسيحيين للتجربة اليهودية، وأيضًا أكدَّ لهم «تعاطف الكبير» للرئيس نيكسون مع دولة إسرائيل. وفي نفس العام؛ صرح المسؤول الإسرائيلي يونا ملاخي: «أنّ الارتباط بين اليهود وموطنهم الأصلي يرتكز بشكل كبير على مستقبل الحوار والتواصل بين المسيحية واليهودية». خرج من رحم هذا التعاون الدين مؤسسات وتجمعات دينية طابعها يميني محافظ، وداعم لدولة إسرائيل، وفي نهاية الستينات، أكدَّ رؤساء الرابطة الإنجيلية في أمريكا، من خلال مؤتمر المعمداني الجنوبي إلى الانفتاح على ما أسموه «الفتح الذاتي لليهود» وارتباطهم بدولة إسرائيل، مع التخفي لعقيدتهم الإنجيلية التي تنتظر عودة المسيح، والتي ستكون نهاية غير سعيدة لغيرهم، بما في ذلك غالبية اليهود. كان أول مؤتمر يجتمع هؤلاء المسيحيون الصهاينة عام 1971، حيث نظمت الحكومة الإسرائيلية المؤتمر، حيث جمع ما يقارب الـ1500 قسًا في مركز المؤتمرات في القدس، كان هذا في عهد رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، وتبع هذا المؤتمر العديد من الزيارات تحت ما يسمى بالـ«سياحة الدينية». ففي عام 1990، قالت وزراة السياحة الإسرائيلية بأنّ 25% من السياح كانوا من الحجاج المسيحيين. وبعد أحداث «النكسة»، وحرب الستة أيام عام 1967، بدأت الجمعيات الوطنية للإنجيليين بدعم إسرائيل، مع محاولة إظهار موقفٍ محايد من بقية الدول العربية. فقد أعلنت بعد انتهاء الحرب؛ بأنّ جميع دول الشرق الأوسط، بما فيهم العرب والإسرائيليين لهم الحق في الوجود، إلّا أنّ هذه الجمعيات نفسها دعت بعد ثمانية أعوام، إلى تعديلات وتطويرات لأمن حدود دولة إسرائيل وذلك لضمان سلامتها، حتى لو جاءت هذه التطويرات على حساب أراض عربية جديدة. وقد يكون مربط الجواب لسؤال لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل، له علاقة بصعود رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن، الذي ربطته علاقة قوية مع جيري فالويل، والذي تبنى سياسة الاستيطان بعد رحلته إلى إسرائيل عام 1978. وعندما احتاج رئيس الوزراء الدعم الأمريكي بعد عملية أوبرا، العملية التي استهدف فيها الطيران الحربي الإسرائيل المفاعل النووي العراقي، لم يطلب بيجن الدعم مباشرة من الرئيس الأمريكي، إنما من خلال صديقه فالويل. وعندما أقرت الأمم المتحدة قرار 3379 في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 1975، الذي يقتضي بأنّ «الصهيونية» شكلٌ من أشكال العنصرية والتمييز العرقي. أشعل ذلك غضبًا واسعًا بين الإنجيليين، والكاثوليكيين، وبعض المجموعات البروتستانتية في أمريكا وكانت من أبرز موجات عضب المسيحيين الصهاينة عام 2002، عندما انتشرت العمليات الفدائية الفلسطينية، إذ طلب الرئيس الأمريكي من الإسرائيليين ضبط أنفسهم مما أشغل غضب المسيحيين الصهاينة، وأرسلوا مئات الرسائل إلى جورج بوش ليتوقف عن الضغط على آريل شارون، والسماح له بالتخلص ممن أسموهم «الإرهابيين»، والتي تبعها عملية الدرع الواقي للقوات الإسرائيلية، التي بدأت بضرب مدن فلسطينية، كطول كرم، وجنين، وبيت لحم، وهدفت للقضاء والتخلص من الانتفاضة الفلسطينية الثانية من جذورها. حيث بدأت هذه العملية من مارس (آذار) إلى مايو (أيار) 2002، وحشد لهذه العملية ما يقارب الـ30 ألف جندي إسرائيلي
البيت الداخلي الأمريكي يُعاد ترتيبه.. ونيكسون ينتهج نهجًا شعبويًا
كانت أمريكا الدولة الأولى التي تعترف بدولة إسرائيل، بعد 11 دقيقة فقط من قيامها بعد أحداث النكبة عام 1948. فقبل قيام دولة إسرائيل، كان الرئيس الأمريكي الديمقراطي الـ33 هنري ترومان قلقًا من أحداث النكبة الدامية، والذي تبعها مقترح ترومان لتشكيل حكومة وصاية ثنائية على الأراضي الفلسطينية؛ مما ولد المقترح استياء الجماعات الإنجيلية، واللوبيات الإسرائيلية. كان ترومان على مشارف الانتخابات الرئاسية الثانية له، وقد نصحه مستشاره كلارك كليفورد، بالتخلي عن مقترحه والاعتراف بدولة إسرائيل لجذب وكسب المزيد من الأصوات المسيحية، والذي فاز بالفعل بدورته الثانية عام 1948. هذا الموقف دليل عن لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل، وكيف أصبحت السياسة الداخلية الأمريكية رهينة العلاقات مع إسرائيل. عد ذلك، ومع انتشار الحركة المسيحية الصهيونية، بدأت الكفة تميل نحو اليمين، والأفكار المسيحية المتطرفة والداعمة لدولة إسرائيل، تغزوا البيت الأبيض، فقد كان خطاب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في أعوامه الانتخابية عام 1967، وعام 1972، خطابًا قوميًا يمينًا خالصًا، وذلك بالضرورة لجذب أصوات الأغلبية من المسيحيين البيض، وخصوصًا الولايات الجنوبية. وتُعتبر حقبة الرئيس نيكسون قطيعة مع النظام العلماني الذي تبع الحرب العالمية الثانية، النظام الذي رسخه فرانكلين روزفلت، وترومان، وكينيدي. ومن خلال هذا النهج الشعبوي اليميني، الذي يتمسك بالعقيدة المسيحية «الإنجيلية»، بدأ نيكسون بتغيير شاملٍ لمسار النظام الأمريكي، وإعادة تقريب دور الدين في السياسة، نهجٌ يشبه كثيرًا ما يتبناه الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب. وكان هذا الخلط الذي حدث بين الدين والسلطة السياسية، يعكس تراثًا بروتستانتيًا للدولة والمسيحية التي تعادي الشيوعية، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية
تاريخًيا وسياسيًا في الشرق الأوسط.. لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل؟
أصبحت دولة إسرائيل ممثل المعسكر الغربي والأمريكي في المنطقة، والحامية لمصالحها في الشرق الأوسط، خاصةً بعد صعود الاتحاد السوفيتي، ومشاريع قومية عربية، كالناصرية والبعثية. وما بين عام 1978 إلى 1982؛ تلقت إسرائيل مساعداتٍ أمريكية وصلت إلى 48% من مساعداتها العسكرية، و35% من مساعداتها الاقتصادية، خاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وخسارة أمريكا لحليفها المهم هناك، وهنا يتضح عنصر آخر من عناصر الإجابة على سؤال لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل.
وفي عام 1983 طالب الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بتقديم مساعداتٍ لإسرائيل بلغت الـ2.5 مليار دولار، كان ذلك من موازنة المساعدات التي قدرت آنذاك بـ8.1 ملياردولار. ومن الـ2.5 مليار دولار، قدَّم ريجان نصف مليون دولار كمنحة، و1.2 مليار دولار كقرضٍ منخفض الفائدة. كما أنّه كانت المنح الأمريكية المقدمة لإسرائيل من غير اشتراطات معينة. لم تقم إسرائيل بدورها ممثلًا عن المصالح الأمريكية فقط في الشرق الأوسط، وإنّما امتد دورها أيضًا في القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية، فقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بزيارة الجنرال ورئيس جمهورية زائير، موبوتو سيكو، وقد وعده بحملية لتحسين صورته في الغرب من خلال بعض المنظمات التابعة له. كما زار أيضًا آريل شارون جمهورية هندوراس عام 1982، التي أظهرت باهتمامها بمنظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية، وبعدها أصبحت هندوراس تملك أقوى نظام دفاع جوي منطقة وسط أمريكا، وسط تساؤلات إعلامية عن دور إسرائيل في أمريكا الوسطى. ولأنّ إسرائيل أصبحت الوكيل الأساسي لأمريكا، فقد حظيت إسرائيل بحصانةٍ كبيرة من النقد الأكاديمي والإعلامي داخل أمريكا، وداخليًا لم يختلف الديمقراطيون أو الجمهوريون على دعم إسرائيل حتى وقت قريب، وحتى الآن نكاد نكون قاربنا إجابة سؤال لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل، من زواياه السياسية والدينية العميقة.
الضغط من الداخل.. كيف يعمل اللوبي الإسرائيلي داخل أمريكا؟
بحسب المفكر الأمريكي جون ميرشايمر، فإنّ أقوى وأكثر مجموعات الضغط «اللوبي» نفوذًا داخل أمريكا، هي اللوبي الإسرائيلي. لا يتشكل اللوبي فقط من اليهود الأمريكان، وإنما مجموعات المسيحيين الصهاينة، والمسيحيين الإنجيليين، وأكبر مؤسسات هذا اللوبي هي منظمة «أيباك»، التي تعمل منذ عام 1951 داخل الولايات المتحدة. وهنا يكمن سر آخر من أسرار سؤال: لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل. تحاول أيباك التأثير على صناعة القرار السياسي بما يخدم مصلحة إسرائيل. فمنذ تأسيسها، أصبح العديد من الأعضاء المؤثرين في أيباك في مجلس الشيوخ، ورؤساء الأغلبية في مجلس النواب، بالإضافة إلى المستشارين للرئيس الأمريكي، مما يفسر بشكلٍ كبير عن لماذا تدافع أمريكا عن إسرائيل. تقوم أيباك بالتأثير على هذه الشخصيات من خلال الدعم المالي، بشرط أنّ يدفع هؤلاء الأعضاء بالهدف الأساسي للمنظمة؛ وهو الحفاظ على السياسات الداعمة لإسرائيل داخل البيت الأبيض. على الجهة الأخرى تقوم آيباك بتشويه سمعة كل من يعارض مصالح إسرائيل في واشنطن، من خلال حملات إعلامية ممنهجة. حضر مؤتمراتها شخصيات ، ويحضرها أيضًا أبرز القادة الإنجيليين لتجديد الدعم والولاء لدولة إسرائيل. وبعد عام واحد من تأسيسها، عام 2007، قام القس الإنجيلي جون هاجي بحضور مؤتمر آيباك وإلقاء خطبة تؤكد الترابط بين المسيحيين واليهود قائلًا فيها: «إنّه يوم جديد في أمريكا، لقد استيقظ العملاق النائم للصهيونية المسيحية، فهناك أكثر من 50 مليون مسيحي يدعمون ويقفون خلف دولة إسرائيل». هنالك العديد من المنظمات السرية التي تخدم مصلحة إسرائيل أيضًا، وأحدها منظمة «الفيلوشيب»، التي عرض عنها سلسلة وثائقية نشر على منصة نيتفليكس عام 2019. ومنظمة الفيلوشيب منظمة مسيحية انتهجت النهج السري، ولها شبكة كبيرة وتواصل مع قادة العالم وصناع القرار. وتنظم سنويًا إفطار الصلاة الوطني، الذي يحضره سنويًا العديد من قادة العالم. وعند بعض الدوائر الأمريكية تعتبر منظمة الفيلوشيب كوزارة خارجية غير رسمية، وقد لعبت دورًا مهمًا في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، وفي اتفاقية السلام بين رواندا والكونغو عام 2002. الرغم من انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والدعم الكبير من قبل الجماعات الإنجيلية ومنظمات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، إلّا أنّ السنوات الماضية الأخيرة شهدت تحولًا مهمًا داخل أمريكا، وهو انخفاض دعم الحزب الديمقراطي لإسرائيل، ونقدهم الحاد على سياسة الاستيطان، النهج الذي انتهجه الرئيس باراك أوباما في نقد دولة إسرائيل. وقد قاطع تسعة شخصيات من الحزب الديمقراطي مؤتمر أيباك العام الماضي، أحدهم السناتور بيرني ساندرس، والذي كان أحد أهم العوامل في هذا التغيير، بدعمه دخول النائبتين إلهان عمر ورشيدة طالبة إلى مجلس النواب الأمريكي، واللتين تدعمان القضية الفلسطينية، وحركة المقاطعة الإسرائيلي «بي دي إس». فهل نشهد تغيرًا كبيرًا في مستقبل العلاقة إذا ما صعد الديمقراطيين مرة أخرى للحكم؟
Laisser un commentaire