اتهامات بالتمييز العنصري للشرطة الفرنسية والاميركية
لم تتصور المغنية الفرنسية كاميليا جوردانا (27 عاما) أن تثير جدلا تصل أصداؤه إلى وزارة الداخلية عندما صرحت بأن « هناك آلاف من الأشخاص الذين لا يشعرون بالأمان أمام رجال الشرطة » لا سيما « سود البشرة وذوي الأصول العربية ». وقامت بالإدلاء بهذه التصريحات خلال برنامج تلفزيوني ترفيهي يحظى بمتابعة واسعة من قبل الفرنسيين. ما أثار ردود فعل متباينة لدى العديد من السياسيين ونقابات الشرطة، كما أشعلت تصريحاتها مواقع التواصل الاجتماعي. أثارت تصريحات المغنية الفرنسية كاميليا جوردانا حول « الطريقة » التي تتعامل بها قوات الشرطة مع الشبان الفرنسيين « من أصول عربية وإفريقية » زوبعة سياسية وصل صداها إلى وزير الداخلية كريستوف كاستنير. وكانت هذه الشابة قد صرحت السبت خلال برنامج تلفزيوني ذي شعبية في فرنسا عنوانه « لم ننم بعد » والذي تبثه القناة الفرنسية الثانية « هناك آلاف الأشخاص الذين لا يشعرون بالأمان أمام الشرطة. وأنا واحدة منهم ». وتابعت » اليوم شعري ربما غير مجعد. لكن في الأيام التي يكون فيها شعري مجعد، أشعر صراحة بالخوف أمام رجال الشرطة في فرنسا »، مضيفة « الشرطة تتعدى يوميا على رجال ونساء بدون أية حجة إلا لون بشرتهم. وهذه هي إحدى الأسباب التي جعلت الناس تشعر بالغضب إزاءها ». وعندما رد أحد المحاورين عليها بالقول « أتفهم جيدا الانتقادات التي توجهينها للحكومة، باعتبارها هي التي أمرت الشرطة بقمع المتظاهرين »، أجابت المغنية « أنا لا أتحدث عن المتظاهرين، بل عن رجال ونساء يسكنون في الضواحي ويتعرضون إلى العنف من قبل الشرطة بسبب لون بشرتهم ».
وواصلت « لولا أحكام البراءة التي يصدرها دائما القضاء في حق رجال الشرطة ولو لم يتم اعتقال آسا تراوري (هي أخت أداما تراوري، من أصل إفريقي توفي في مقر الدرك الوطني في يوليو/تموز 2016 ببلدة بومون سور واز في منطقة إيل دو فرانس)، ربما لكانت صورة الشرطة في عيون المواطنين إيجابية ». وأضافت « يجب بعث رسالة للشعب مفادها أن هناك رجال ونساء سود البشرة وهناك رجال ونساء من أصول عربية يتعرضون يوميا إلى التفتيش والضرب المبرح من قبل الشرطة حتى خلال فترة الحجر الصحي. هذا الأمر لم يعد ممكنا أن يستمر ». ولحظات قليلة فقط بعد انتهاء البرنامج التلفزيوني الترفيهي، انهالت ردود فعل داعمة ومنددة على حد سواء لتصريحات المغنية الفرنسية. انقسمت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار موقع « توتير » بين مؤيد لجوردانا حيث انتشر هاشتاغ # »أنا أيضا أخاف من الشرطة » ومدافع عن رجال الأمن عبر هاشتاغ آخر # « أنا لست كاميليا جوردانا ». وكتبت قناة « بي إف إم » التلفزيونية على موقعها على الإنترنت أن مواطنين فرنسيين نشروا قرابة 45 ألف رسالة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في غضون يوم واحد، عبروا من خلالها عن مخاوفهم من التعرض إلى عنف الشرطة، بينما صرح بعضهم أنهم تعرضوا إلى العنف من قبلها.
من جهة أخرى، حوالي 10 آلاف شخص أعلنوا عن دعمهم لقوات الأمن وانتقدوا « العنف والإهانة » التي يتعرض لها رجال الشرطة خلال ممارسة مهامهم اليومية. إلى ذلك، رد وزير الداخلية الفرنسية كريستوف كاستنير على كاميليا جوردانا عبر تغريدة على حسابه على توتير قائلا « لا يا سيدتي. الرجال والنساء الذين يذهبون إلى العمل كل صباح في الضواحي لا يتعرضون إلى القتل بسبب لون بشرتهم. هذه الأقوال الكاذبة تجلب العار وتغذي الكراهية والعنف. لذا يجب علينا انتقادها وشجبها »، معلنا في الوقت نفسه أنه « لن يرفع دعوى قضائية في حق كاميليا جوردانا » رغم الطلبات العديدة والمتكررة من قبل رجال الشرطة وبعض السياسيين الفرنسيين في هذا الشأن . كما تحركت نقابات الشرطة الفرنسية من جهتها بقوة وسرعة عبر بيانات صحفية وتصريحات إعلامية شجبت كل ما قالته المغنية الشابة. ففي مدونة نشرها على موقع « هوفينغتون بوست » كتب غريغوري جورون، الأمين العام المساعد في قسم الشرطة بنقابة « القوة العاملة » « هناك ممثلون ومغنيون وسياسيون… يشتمون الشرطة ويثيرون الكراهية ضدها، مع العلم أنها جندت خلال شهور لتأمين مظاهرات السترات الصفراء ». وأضاف « وزير الداخلية رد على هذه الحادثة بـ 140 حرفا عبر حسابه على توتير، معتقدا أن هذا الرد كاف وبأنه قام بواجبه الوطني… إلى غاية أن تتعرض الشرطة إلى هجوم جديد في الأيام القليلة المقبلة ». وتابع بنوع من الغضب « وزير الداخلية لم يرفع حتى دعوى قضائية بتهمة « القذف » ونشر « خطاب الكراهية » كما تنص عليه المادة 40 من قانون الجنايات، طالبا « النجدة النجدة! إنهم يقتلون الشرطة ويقومون بخنقها ببطء ويعرونها من كرامتها وينتقدون إخلاصها ونزاهتها ». من جهته، أضاف روكو كونتوتو، وهو شرطي منتخب آخر من نفس النقابة على قناة « سي نيوز » الإخبارية « كاميليا جوردانا لم يسبق لها وأن ذهبت إلى الضواحي الفرنسية. فهي كبرت وترعرعت في حي راق ببلدة « لوند لي مور » (قرب مدينة نيس جنوب فرنسا) ثم اقتحمت بعد ذلك عالم الموضة ». وواصل « تصريحاتها تتسم بالكراهية وتنتقد كل مؤسسة الشرطة دون أي استثناء »، منوها أن « هناك آلاف من أصول مغاربية وإفريقية في الشرطة الفرنسية ». وبخصوص الدعوة التي أرسلتها المغنية الفرنسية لوزير الداخلية لتنظيم حوار مباشر معه على أية قناة يريدها، رد هذا المسؤول في الشرطة قائلا « من حقها أن تتناقش مع الوزير، لكن في الحقيقية النقاش الحقيقي يجب أن يكون مع العدالة. فبتصريحاتها، تقوم بتعميق الفجوة الموجودة بين الشرطة والمواطنين
من جهتها وفي خطوة لوقف حدة التصعيد، عبرت كاميليا جوردانا على حسابها على توتير عن امتنانها للكم الكبير من الرسائل الداعمة لها التي تلقتها. وكتبت « أنا مندهشة من الكم الهائل من ردود الفعل التي وصلتني وسعيدة أيضا بإعادة فتح الحوار (هي تقصد الحوار حول تصرف رجال الشرطة إزاء الفرنسيين من أصول أجنبية). لكن قررت ألا أتكلم من الآن فصاعدا مع وسائل الإعلام رغم الطلبات الكثيرة التي وصلتني بشأن التصريح الذي أدلاه كريستوف كاستنير. بالمقابل سأكون سعيدة أن أتحاور معه على المباشر وعلى أية قناة تلفزيونية يريدها ». فيما كتب مغرد يسمي نفسه « البروفسور ياس » على حسابه في توتير « أنا أساند كاميليا لأن العنف الذي تمارسه الشرطة ضد أبناء عائلات المهاجرين وسكان الأحياء الشعبية أمر حقيقي. نحن ندرك كل يوم بأن هناك احتمال أن نقع ضحية قوات الأمن. جوردانا كان لديها الجرأة الكافية لكي تعبر عن ذلك عبر التلفزيون ». إلى ذلك، أعلن جان لوك ميلنشون زعيم حزب « فرنسا الأبية » المعارض عن مساندته للمغنية الفرنسية وكتب في تغريده على توتير « كاستنير (وزير الداخلية الفرنسي) يتصرف وكأنه لم يفهم ماذا قالت كاميليا جوردانا. فهو تحت تأثير نقابة « أليانس » للشرطة التي تهدد القضاة من جهة وتحمي قوات الأمن من جهة أخرى. فهو يسعى إلى وضع حد للانتقادات لكن في الحقيقة الجميع يفكر نفس الشيء وهناك حاجة إلى إعادة السيطرة على الشرطة
أما المحامي جان بيار مينيار الذي يقال إنه كان في الماضي من بين المقربين للرئيس إيمانويل ماكرون، فغرد قائلا « لا يمكن أن نحل مشكلة اجتماعية عبر رفع دعوى قضائية ». وخصص الإعلام الفرنسي المكتوب مقالات عديدة حول هذه الحادثة التي تصدرت أيضا عناوين القنوات الإخبارية التي استضافت العديد من المعلقين والمتتبعين للسياسة الداخلية الفرنسية لإعطاء أرائهم. وتثير من حين إلى آخر تصرفات بعض رجال الشرطة انتقادات من قبل الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان. فثمة من يصف هذه التصرفات بـ »العنيفة » مثل تلك التي شهدتها مظاهرات السترات الصفراء وبعض التدخلات الأمنية في بعض الضواحي. وثمة من يرى أن قوات الأمن تتعرض أكثر من أي وقت مضى إلى العنف من قبل بعض المواطنين. وهو جدل قديم جديد في الجمهورية الفرنسية.
على الرغم من أن الدستور الأميركي يمنع التفرقة على أساس اللون أو الجنس أو الدين إلا أن العنصرية مزروعة في قلب ونفوس معظم الأميركيين، وأن جذورها أعمق من أن تنتزع رغم كل قوانين المساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان التي تنادي بها الولايات المتحدة الأمريكية. تشكلت الولايات المتحدة في بدايتها من عناصر أوربية كان الغالب عليها هو العرق الأبيض، شنت هذه العناصر حملة إبادة شاملة ضد سكان القارة الأصليين من الهنود الحمر لتسهيل أمر المستوطنين الجدد من ناحية، وجلب أكبر عدد من الأفارقة وتحويلهم إلى عبيد لتعمير القارة الجديدة من ناحية أخرى. يوماً بعد يوم تتجدد جراح السود في أمريكا بنيران الشرطة الأمريكية، التي انتهجت سياسة التفرقة في المعاملة بين المواطنين، في هذا السياق عاشت مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية احتجاجات كبيرة بعد حادثة مقتل الرجل الأسود (جورج فلويد) من قِبل أفراد الشرطة الأمريكية، كما ألقت قوات الشرطة الأمريكية (أتلانتا) القبض على مراسل شبكة « سي إن إن الإخبارية، أثناء بث مباشر من موقع الاحتجاجات في مدينة مينيابوليس. وواقعة قتل الشاب الأسود « جورج فلويد » تعيد إلى الذاكرة واقعة مماثلة في الماضي القريب عام 2018 مقتل الشاب الأسود « ديانتى ياربر » بـ 20 رصاصة على يد الشرطة الأمريكية ، والشاب » ستيفون كلارك » الذي قتل برصاص الشرطة في ساكرامنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا، ولم يكن مسلحاً وتحولت الجنازة فيما بعد إلى مسيرة حاشدة ضد عنف الشرطة الأمريكية. حمل الرئيس الأمريكي السابق »أوباما » أملاً كبيراً للأمريكيين من أصول أفريقية في إنهاء ذلك الانقسام العرقي والتاريخي الذي استمر عقوداً من الزمن، وظنوا أنه جاء لاستكمال مسيرة « مارتن لوثر كينج »، أحد أهم الزعماء المدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان ونبذ التفرقة بسبب اللون والجنس، وصاحب مقولة، « نحن لا نصنع التاريخ.. بل التاريخ هو الذي يصنعنا » إلا أن أحلام الأمريكيين سرعان ما تبخرت في الهواء، فالسود ما زالوا يُقتّلون ويُعذبون على أيدي الشرطة الأمريكية، دون أي ذنب سوى أنهم أصحاب بشرة سوداء.
أما الرئيس ترامب، يقف اليوم عاجزاً عن إنصاف ذوي الأصول الأفريقية، وكبح جماح ما يتعرضون له من انتهاكات من قبل الشرطة التي أفرطت باستخدام العنف والقمع ضدهم، فالشرطة لا تكف عن تجاهل حقوقهم، وبخاصة بعد أن أعطيت الضوء الأخضر لممارسة التحقيق والبحث والاحتجاز وإطلاق النار عموماً على أي مشتبه به من ذوي البشرة السوداء. و على الرغم من أن الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم صخبا وضجيجا بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، وأنها الدولة الأكثر استخداما لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، وتقوم بتقسيم الدول إلى محاور خير وشر واعتدال وتطرف وتضعهم على لوائح سوداء وملونة على أساس احترام حقوق الإنسان، إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تعد الدولة الأخطر على مر التاريخ التي انتهكت ولا تزال تنتهك حقوق الإنسان، بالتالي أن حقوق الإنسان كانت اللافتة التي اتخذتها الولايات المتحدة ستارا لارتكاب أبشع ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان في تاريخ البشرية.
كما حاولت أميركا تلميع صورتها عبر إيصال عدد من الأمريكيين السود إلى مواقع في السلطة إلا أن ذلك لن يغير شيئا في فكر ومنهجية الولايات المتحدة الأمريكية العنصرية والعدوانية على مواطنيها السود، و على الرغم من أن السود يشكلون 13% من سكان أمريكا، إلا أنهم يشكلون 40% من السجناء. بالتالي إن جريمة الأبيض ضد الأسود، تتجدد باستمرار في أكثر من مدينة أميركية، لتظهر الوجه الحقيقي والواقعي لسياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة، الموغلة في دماء المواطنين الأميركيين السود وغيرهم من الأعراق الأخرى.لذلك فإن هذه القضية لن تنتهي وهذه الظاهرة السيئة تنتشر بكثرة في المؤسسات التعليمية والصحية والأجهزة القضائية والشرطة وأجهزة الأمن، حيث يتم اعتبار ذوي البشرة البيضاء هم السلالة الأفضل في أمريكا وفي وقتنا الحالي يمثل « ترامب » رمزاً حقيقياً لهذه الظاهرة التي انتشرت بشكل واسع في عهده
Laisser un commentaire