جورج ابراهيم عبد الله أقدم سجين في فرنسا
من مواليد القبيات ـ عكار، بتاريخ 2-4-1951. تابع الدراسة في دار المعلمين في الأشرفية، وتخرج في العام 1970. ناضل في صفوف الحركة الوطنية، ثم التحق بالمقاومة الفلسطينية، دفاعاً عن الشعب اللبناني والفلسطيني. جُرح أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقسم من الجنوب اللبناني في العام 1978. أحدث العدوان الإسرائيلي المتمادي على الشعب اللبناني والفلسطيني، في ظل الصمت العالمي الذي بلغ حد التواطؤ، لا سيما مع عدوان العام 1982 الشامل على لبنان، ثورة عارمة في نفوس الكثير من اللبنانيين والعرب الذين اندفعوا يجوبون دول العالم في محاولات منهم لملاحقة الصهاينة رداً على الخسائر الفادحة التي لحقت بشعبنا العربي. كان جورج عبدالله واحدة من تلك المحاولات الكفاحية، التي تتغاضى دول النظام العالمي الجائر بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عن نبل دوافعها الإنسانية العارمة، تلك الدوافع النابعة من عمق جراح شعبنا ومن تراثه العريق ومن ثروة الإنسانية جمعاء في حقوق الإنسان، وفي طليعتها الحق في الحرية القومية للشعوب في التحرر من الاستعمار.
بداية الأسر
في 24-10-1984 اعتقلته السلطات الفرنسية، بعد أن لاحقته في مدينة ليون الفرنسية مجموعة من الموساد وبعض عملائها اللبنانيين. ولم تكن السلطات الفرنسية، الأمنية والقضائية تبرر اعتقاله بغير حيازة أوراق ثبوتية غير صحيحة: جواز سفر جزائري شرعي.
السلطات الفرنسية: وعد بإطلاق سراحه
وعدت السلطات الفرنسية حكومة الجزائر بالإفراج عن جورج عبدالله وإطلاق سراحه. وأوفدت لهذا الغرض مدير الاستخبارات الفرنسية إلى الجزائر ليبلغ الحكومة الجزائرية بذلك.
السلطات الفرنسية: لا تحترم تعهداتها للجزائر
في 10-7-1986، تمت محاكمته بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة أربع سنوات. رفض المحاكمة ولم يعترض. وتراجعت السلطات الفرنسية عن تعهداتها.
محاكمة ثانية: حكم المؤبد
في 1-3-1987، أعادت السلطات الفرنسية محاكمته بتهمة التواطؤ في أعمال “إرهابية” وبالمشاركة في اغتيال ياكوف بارسيمنتوف، السكريتير الثاني للسفارة الاسرائيلية في فرنسا، في 3 نيسان 1982، والملحق العسكري الأميركي في باريس، تشارلز روبرت راي (18 كانون الثاني 1982)، ومحاولة قتل القنصل العام الامريكي روبرت هوم في ستراسبورج في 1984. وأصدرت بحقه حكماً بالسجن المؤبد. مرة أخرى رفض المحاكمة ولم يعترض.
خضوع فرنسي للضغوط الأميركية
كانت السلطات الفرنسية في حينه خاضعة للضغط الأميركي. ناقش ريغان موضوع محاكمة جورج عبدالله في لقاء له مع الرئيس الفرنسي ميتران، كما جرت عدة مداخلات أميركية لدفع السلطات الفرنسية إلى عدم إطلاق سراح جورج عبدالله. كانت الولايات المتحدة طرفاً مدعياً. هذا فضلاً عما كانت تعانيه فرنسا من النفوذ الصهيوني.
الإدارة الفرنسية تضلل الرأي العام الفرنسي
كان الرأي العام الفرنسي آنذاك واقعاً تحت تأثير سلسلة من “التفجيرات” التي شهدتها باريس ما بين العام 1986 و1987، وسقط فيها عدد كبير جداً من الضحايا الفرنسيين.
اتهم الأمن الفرنسي أخوة جورج عبدالله وأصدقاءه بتلك “التفجيرات”، وأعلن عن جوائز مالية لمن يدلي بمعلومات عنهم. ثم قام بتعميم الأسماء عالمياً لملاحقتهم، بعد أن عمم صورهم في المراكز الحدودية والمواقع العامة في فرنسا. كل ذلك والمتهمون ينفون مباشرة عبر المؤتمرات الصحافية هذه الافتراءات الفرنسية.
ويبدو أن معلومات الأمن الفرنسي استندت إلى تقارير الموساد، وتقارير محامي جورج جان بول مازورييه الذي تبين أنه يتعاطى المخدرات فجنده الأمن الفرنسي وفق صيغة نحميك من الملاحقة وتكون مخبراً لنا (قامت نقابة المحامين لاحقاً بطرد هذا المحامي من صفوفها لما تم اكتشاف أمره). وكان هذا المحامي يختلق المعلومات التي اعتمدتها السلطات الفرنسية.
وفجأة أعلنت الأجهزة الأمنية الفرنسية عن عثورها على مسدس في شقة مستأجرة باسم جورج، وادعت أن المسدس المزعوم تم استعماله في عملية اغتيال الإسرائيلي بارسيمنتوف. وكان هذا هو الدليل الوحيد لإعادة المحاكمة وللإدانة بحكم المؤبد!
وفي حينه عمدت السلطات الفرنسية إلى العمل بالمحكمة الخاصة بالإرهاب التي تصدر أحكامها استناداً إلى معطيات المخابرات، دون الحاجة إلى أدلة ثبوتية وشهود وخلافه من أصول المحاكمة. ولم يتقدم أحد على الإطلاق بشهادة على تورط جورج عبدالله في كل ما نسب إليه من تهم.
ولقد تبين لاحقاً أن السلطات الأمنية الفرنسية كانت على علم بالجهة التي تقوم بالتفجيرات، وكانت تساومها وتفاوضها، ورضخت لاحقاً لشروطها، بالتوافق مع السلطات السياسية الفرنسية.
لم تتوصل السلطات الفرنسية إلى أي أدلة تدين عبد الله، باستثناء منشورات تدل على انتمائه إلى «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» وجواز سفر جزائري مزوّر. لذا، لم توجَّه له حين قُدِّم أمام المحكمة للمرة الأولى، في تموز 1986، سوى تهمة واحدة هي «استعمال وثيقة سفر مزوَّرة».
يوم 6 آذار 1985، دوَّن مستشار الرئيس فرنسوا ميتران، جاك أتالي، في يومياته، التي نُشرت عام 1988 في كتاب مذكراته عن «سنوات الإليزيه»: «لا تتوافر لدينا أي أدلة ضد جورج إبراهيم عبد الله. لذا، لا يمكن أن توجِّه إليه المحكمة أي اتهام آخر سوى امتلاك جواز مزور». تلك التهمة البسيطة التي وُجِّهت لـ«الثوري اللبناني الملتحي» كان معناها أنه سيغادر السجن بعد أقل من 18 شهراً. لكن قضيته لم تلبث أن سلكت وجهة مغايرة تماماً، أدت إلى إدانته بالمؤبد.
وتروي المحامية إيزابيل كوتان باير (زوجة كارلوس) التي كانت عضو هيئة الدفاع عن عبد الله، التي ترأّسها «سفاح المحاكم» جاك فيرجيس، تفاصيل «المؤامرة القضائية» التي لُفقت ضد الثوري اللبناني، قائلة: «استُدعي عبد الله مجدداً إلى المحكمة، على نحو مفاجئ، في 28 شباط 1987، وفوجئنا بتهم مغايرة وأدلة جديدة لم تكن مدرجة في الملف خلال المحاكمة الأولى. وزعم الادعاء بأن أسلحة قد حُجزت في مخابئ وشقق سرية تابعة لعبد الله. واعُتبر ذلك دليل إثبات على اشتراكه في العمليات الفدائية التي نفذتها الفصائل الثورية اللبنانية في فرنسا عام 1982».
وأثناء المحاكمة تجرأ محامي الحكومة الأميركية على تشبيه القضاء الفرنسي بمخابرات فيشي الخاصة، فيما لو لم يأتِ الحكم مطابقاً تماماً لإرادة الخارجية الأميركية، ما دفع النائب العام بيير باشلين إلى الرد عليه بعبارات منتقاة بدقة: «أنت تمثل هنا أميركا، وليس من حق الادعاء المدني التدخل في القضايا الفرنسية. ولست مؤهلاً لتعطي الفرنسيين دروساً في كيفية التصرف».
ومنذ بدء محاكمته كان الطرف الاميركي حاضراً من خلال طرف الادعاء على خلفية ادانة عبد الله باغتيال الملحق العسكري الاميركي تشارلز روبرت راي، في المقابل فضلت عائلة مسؤول الموساد الاسرائيلي في باريس ياكوف بارسيمنتوف والحكومة الاسرائيلية ان لا يكونا طرفاً في الادعاء العام، ربما لأن الضلوع الاميركي في القضية كان اكثر من كاف.
الإدارة الفرنسية تبحث عن كبش محرقة
وعليه كان حكم المؤبد على جورج عبدالله واتهام أخوته نوعاً من “كبش محرقة” لتضليل الفرنسيين وإرضاء الأميركيين والصهاينة، وإظهار فرنسا بمظهر الدولة القادرة على مكافحة ”الإرهاب
يشرف جورج عبدالله على إنهاء عامه الرابع والعشرين في سجنه المؤبد، مع العلم أن بوسع وزارة العدل الفرنسية الإفراج عنه فور انتهاء عامه الخامس عشر في السجن، وذلك بمجرد قرار إداري من الوزارة المذكورة، طبقاً لقانون الجزاء الفرنسي الذي تم الحكم على جورج استناداً إليه
الأسير جورج عبدالله يستوفي كل شروط الإفراج
إن جورج يستوفي منذ العام 1999 (9 سنوات) كل الشروط المطلوبة للإفراج عنه. واستيفاؤه لشروط الإفراج عنه هو الذي يدفع السلطات القضائية الفرنسية إلى فتح ملفه لعدة مرات متتالية في السنوات الماضية، وكان آخرها في العام 2007
إن الإفراج عن المناضل جورج عبدالله حق شرعي له بموجب القانون الفرنسي بالذات
مستلزمات “الإفراج المشروط
السلوك الحسن داخل السجن (متوفر بشهادة المحكمة الفرنسية
وجود من يقدم المساعدة له في حال الإفراج عنه متوفر بالمستندات التي قدمتها عائلته بناءً لطلب الوضع النفسي السليم ليتمكن من إعادة اندراجه في المجتمع متوفر بتقارير الطبيب النفسي المعني
هذه الشروط محددة في قانون العقوبات الفرنسي
في 19-11-2001، رفضت المحكمة الإفراج عنه
في 19-11-2003، اتخذت “محكمة الإفراج المشروط”، في مقاطعة بو الفرنسية، قراراً بإطلاق سراحه، وحددت تاريخ 15 كانون الأول 2003 موعداً لتنفيذ القرار. ولكن النيابة العامة الفرنسية تقدمت باستئناف فوري للقرار، بناءً على طلب من وزير العدل الفرنسي. مما أوقف قرار محكمة بو
في 16-1-2004، أعادت النظر بالأمر “المحكمة الوطنية للإفراج المشروط”، ولكن هذه المحكمة خضعت لضغط وزير العدل الفرنسي الذي خضع هو بدوره لضغط أميركي إسرائيلي. وجاء القرار برفض الإفراج ما أثار استغراب جميع الأوساط الإعلامية العالمية، بما فيها وكالة الصحافة الفرنسية التي اعتبرت القرار غيرمفهوم
في 27-7-2005، عقدت محكمة الإفراج المشروط جلسة استماع للنظر في الإفراج عن جورج عبد الله، على أن يصدر القرار بين 7 و14 أيلول 2005. وفي 9-9-2005 طرحت النيابة العامة الفرنسية في جلسة مخصصة للموضوع موقفاً معارضاً بشدة لأي قرار يقضي بإطلاق سراحه، فلم يتم الإفراج عنه
في 31-1-2006، رفضت المحكمة الإفراج، وكانت حجج النياية العامة الفرنسية
أن صورة فرنسا ستهتز أمام الولايات المتحدة وحلفائها إن هي تهاونت وأفرجت عنه (تراخٍ في مكافحة الإرهاب)؛
إن ترحيله إلى لبنان لا يشكل ضمانة على عدم قيامه بأعمال كالتي قام بها سابقاً؛
إن تقرير الطبيب النفسي لا يكفي: هو سليم نفسياً، بشهادة الطبيب النفسي، ولكن ما الذي يضمن عدم عودته إلى ممارسة “الإرهاب”؟ (ما الذي يضمن أي فرد من ممارسة “الإرهاب”؟! الشرط هنا تعلة لعدم الإفراج، فجورج ليس مدمن مخدرات، أو مجرماً عادياً تتم معالجته ليقلع عن إجرامه!)؛
لم يدفع تعويضات للضحايا تقدرها المحكمة بمبلغ 53357 يورو؛ علماً بأن عائلته تعهدت بدفع كل التعويضات المطلوبة.
إنه يتابع من سجنه ويمارس أنشطة التضامن مع الشعب الفلسطيني ومع الحركات السياسية المناضلة اليسارية والإسلامية، ما اعتبرته النيابة العامة الفرنسية دليلاً على خطورته وعدم جواز الإفراج عنه؛
في 6- 2- 2007 تقدم جورج إبراهيم عبدالله للمرة السابعة بطلب الإفراج المشروط عنه. – في 26 حزيران 2007، بينما كان جورج عبدالله ومحاميه في قاعة سجن لانيميزان بانتظار الجلسة المنقولة مرئياً عن بعدتم الإعلان عن تأجيل المداولات “لأسباب تقنية” إلى موعد 4 أيلول 2007. كان من المفروض أن يرد جورج عبدالله في تلك الجلسة على أسئلة القضاة والنيابة العامة الفرنسية، لكن ضغوط كيجمن محامي الجانب الأميركي، دفعت السلطات الفرنسية إلى منع جورج عبدالله من الكلام، وتذرعت “بالأسباب التقنية”. في آب 2007 تم تأجيل الجلسة إلى 13 أيلول 2007. تخللت تلك الجلسة مواقف وتصريحات معادية للعرب والمسلمين من جانب المخابرات الفرنسية “ديه إس تيه” والمحامي الممثل للجانب الأميركي. وفي العاشر من تشرين الأول 2007 صدر القرار برفض طلب الإفراج.استأنف جورج عبدالله الحكم. وعقدت جلسة الاستئناف في 20 كانون الأول 2007 حيث تقرر أن يتم الإعلان عن القرار في 31 كانون الثاني 2008. وفي مساء ذلك اليوم تم الإعلان أن القرار لن يصدر في هذا الموعد المحدد بل في 17 نيسان 2008، بعد أن يتم الاستماع إلى جورج عبدالله في جلسة منقولة مرئياً عن بعد في 25 آذار 2008
في 17 نيسان 2008 قرر القضاة نقل ملف جورج عبدالله من محكمة الإفراج المشروط (لجنة إعادة النظر بالأحكام) إلى لجنة خاصة للنظر بدرجة خطورته، تطبيقاً ل”قانون داتي”، على أن يصدر القرار في 4 أيلول 2008.
لم يكن غرض كل هذه المماطلة غير الوصول إلى إقرار “قانون داتي” ومنع محكمة الإفراج المشروط” من استكمال دورها. لقدر مرّ أكثر من 15 شهراً على تقدم جورج عبدالله بطلب الإفراج المشروط الأخير (وهذا حق سنوي) ولم يتم البت به خلافاً للأصول التي تقضي ببت الأمر في مدة سنة وحدة.
والجدير ذكره أن “قانون داتي” الصادر في مطلع العام 2008 يقضي بتمديد بقاء السجين قيد الاعتقال ولو توفرت شروط الإفراج عنه. وقد لاقى هذا القانون رفض واعتراض نقابات القضاة والمحامين و”مرصد السجون” ولجنة حقوق الإنسان… لأنه ينتهك الحريات العامة الأساسية ويقضي بالاعتقال دون توفر واقعة جرمية، بل لمجرد الظن بإمكان الإقدام على ارتكاب جرم ما. وهذا ما دفع الصحيفة الفرنسية “لو كانار أنشينيه” إلى نشر القانون وذيلته بتوقيع “هتلر العصر”.
إن تطبيق “قانون داتي” على حالة الأسير جورج عبدالله وما يشابهها يجعله أشبه بالقوانين الأميركية التي شرّعت سجن غوانتنامو والسجون الجوالة الأخرى وسجن “أبو غريب”، بكل ما فيها من تجاوز لحقوق الإنسان واعتداء على الكرامة الإنسانية.
إن مبررات رفض “الإفراج المشروط” عن جورج عبدالله (مع أن كل الشروط المطلوبة متوفرة في حالته) لا تتفق مع معطيات قانون العقوبات الفرنسي، بل تعود إلى تقديرات الإدارة السياسية الفرنسية، لاسيما وزير العدل. في 17-6-2008 تقرر عملياً نقل ملف الأسير جورج عبدالله إلى “لجنة خاصة” (قانون داتي) وتبلغ رسمياً بذلك، على أن تصدر قرارها في 4 أيلول القادم. لكن هذا الموعد تأجل الى 9 كانون الثاني 2009 حيث كررت المحكمة رفضها الافراج المشروط عن جورج عبد الله. ان مبررات رفض “الافراج المشروط” مع ان كل الشروط المطلوبة متوفرة في حالته لا تتفق مع معطيات قانون العقوبات الفرنسي، بل تعود الى تقديرات الادراة السياسية الفرنسية لا سيما وزير العدل.
اعادة فحص الحمض النووي
في كانون الأول 2009 قرّرت محكمة الجنح في تاربالفرنسية معاقبة جورج إبراهيم عبد الله،، لرفضه إجراء فحص مخبري. وقضت العقوبة بتمديد مدة سجنه لثلاثة أشهر بسبب رفضه إجراء فحص الحمض النوويللمرة ثانية. إذ كان قد سبق لعبد الله أن خضع للفحص في عام 2003، ولذلك عندما دُعي لإجراء الفحص نفسه في حزيران من عام 2008 كان موقفه الرفض. جرت المحاكمة وسط احتشاد لقوى الأمن الفرنسية في المنطقة المحيطة بمبنى المحكمة بمواجهة بضع عشرات من أصدقاء الأسير الفرنسيين الذين حضروا للمطالبة بالإفراج الفوري عنه. سألت رئيسة المحكمة القاضية إليزابيت غادولّيه عبد الله خلال الجلسة «أنت محكوم، ورفضت في حزيران 2008 الخضوع لفحص الحمض النووي كما يقضي حكمك، فكيف ترفض؟». فأجاب: «لأنني لم أتوقع أن تستدعيني، بعد أكثر من 25 سنة، لهذا النوع من الدواعي. ولهذا السبب طلبت من المحامي جاك فرجيس عدم الحضور للمرافعة عني». وأضاف «لقد سبق لأحد زملائك أن قضى بمنحي الحرية في عام 2003. ولكن سرعان ما استأنفت وزارة العدل الفرنسية الحكم القضائي، كما عارض النائب العام الإفراج عني بقوله الأمور ونقيضها معاً، إذ قال إني شيوعي وإسلامي، وخلص بالتالي إلى أنني خطير! وأرسلني حينها إلى الجهة المعنية لإجراء فحص الحمض النووي. لكن سبق لي أن خضعت لهذا الفحص». المناضل الأسير منذ 26 سنة شكر القاضية قائلاً: «إني لأشكرك اليوم لأنك استدعيتني. وأقول إني نادم للغاية على إجراء هذا الفحص في عام 2003، وبالتالي لم أجد أي مبرر لإجرائه في عام 2008: فنتيجة فحص الحمض النووي موجودة مسبقاً في الملف بين يديكِ». رفضت القاضية هذا الموقف. وقالت إن النيابة العامة طالبت بإجراء الفحص لأن لديها أسباباً وجيهة، ولو أن المتهم سبق له أن أجراه، «ولربما تريد النيابة العامة تحديث معطياتها على ضوء تطور تقنيات هذا الفحص».
عارض النائب العام الإفراج عنه لأنه شيوعي وإسلامي فأجاب عبد الله: «هذا ليس منطق العدالة والقضاء». «على أي حال هذا هو القانون». قالت القاضية، وأضافت: «إذا بقيت مصراً على رفضك، فأنت تغامر بحرمانك من حقك بخفض عقوبتك». أثار هذا «التهديد» استياءً شديداً في قاعة المحكمة. وردّ الأسير «كلام غير مقبول من قاضية مثلك مطلوب منها أن تنطق بالقانون». فتكلّم مندوب النيابة العامة قائلاً: «عليك إثبات إجراء الفحص في عام 2008، وإن رفضك لذلك سيعرضك إلى السجن من 3 إلى 5 أشهر».
وقالت غادولّيه: «لو أنك قبلت، لما كنت هنا الآن»؛ ثم انصرفت للمداولة ولم تعد إلا لتعلن حكمها المدوّي: «السجن ثلاثة أشهر» ثمّ توجّهت إلى عبد الله: «أرأيت؟». نقيب المحامين برتران الذي كان بين الحضور علّق بالقول «قرار مشين!» وعلت صيحات في قاعة المحكمة: «الحرية لجورج عبد الله! الحرية لجورج عبد الله!». أواخر شهر حزيران 2010 قررت محكمة الاستئناف فسخ حكم محكمة البداية في تارب والغت عقوبة الاشهر الثلاث التي حكم بها. ولقد ابلغ عبد الله لاحقاً ان الادارة الفرنسية قررت رفع القضية الى محكمة التمييز للبت بها.
تلاعب رسمي فرنسي بالقضاء
اعتُقل جورج عبد الله في فرنسا عام 1984، وحوكم مرتين وصدر الحكم المؤبد بحقه عام 1987بلا أدلة جرمية، وبتلاعب مفضوح من أجهزة الأمن الفرنسية ورجال القضاء. إن تلاعب الدولة الفرنسية وتعمدها «تركيب ملف ومحاكمة» جورج عبد الله أمر بات معروفاً وعلنياً يصرح به أبرز المشاركين والمعنيين بهذا التلفيق. فها هو ألين مارسو، النائب العام الفرنسي المشرف على الجهاز القضائي المركزي في مكافحة الإرهاب في الثمانينيات يعترف بذلك صراحة في كتابه «قبل أن ننسى كل شيء».
أما إيف بونيه، المدير السابق لجهاز «دي إس تيه» الفرنسي، فتصريحاته بهذا الشأن متكررة على الفضائيات والصحف الفرنسية منذ عام 2010، وبلغت حد اعترافه «بتأنيب الضمير»، وطلبه الاستماع إلى شهادته أمام القضاء الفرنسي، ووصفه سلوك الدولة الفرنسية في قضية جورج عبد الله بأنه سلوك الرعاع. ألا دخل لكل ذلك بحقوق الإنسان، وألا يمثّل «قضية إنسانية»؟ قضية جورج عبد الله هنا قضية ضحية التلاعب الفرنسي بملف قضائي.
لا تعد مسألة التهديد باغتيال عبد الله من قبيل التخمين او التحليل النظري. فقد سبق لوليام كايسي ، يوم كان مديراً للمخابرات المركزية الأميركية «سي أي إيه»، أن جاء إلى فرنسا مع كل العنجهية المرتبطة بممارسة هذه الوظيفة، ليمارس الضغط على الحكومة الفرنسية ممثلة بشخص روبير باندرو وزير الأمن. قصة اللقاء في كتاب بعنوان «أقنعة الإرهاب» خلال جلسة إلى مائدة أعدها السيد باندرو: «يهدد وليام روبير بشوكة الطعام. الرسالة واضحة: إذا لم يحكم على عبد الله بالمؤبد، فالولايات المتحدة ستعتبر أن فرنسا لم تحترم القاعدة الأولى في العدالة، وأنها أخلفت بواجباتها تجاهها، ما سيؤدي إلى القطيعة الدبلوماسية. بعد بضع ثوانٍ جاء الرد نموذجياً: لدي ما هو أفضل لأقترحه عليك، قال باندرو بكل برودة. يفرج عن عبد الله. وإذا رغبتم نتناقش في التاريخ. ونرسله إلى الشرق الأوسط، ومن ثم نزودكم بكل المعلومات حوله. أنتم، الولايات المتحدة، هذه الدولة العظمى بكل شبكاتها في المنطقة، سيكون من السهل عليكم تصفيته، ونطوي الأمر نهائياً. ذُهل كايسي للعرض. لقد بان الابتزاز في العلاقات الدبلوماسية، بكل وضوحه، وبسخريته المطلقة».
تقدم الأسير جورج عبدالله في كانون الثاني 2012 بطلب جديد للإفراج عنه. وخضع مرة أخرى لمقتضيات قانون “هتلر العصر” المعروف بقانون داتي، والذي سبق وخضع له عام 2008، وذلك بحكم مفعول رجعي. هذا مع العلم أن هذا القانون من شأنه أن يتم تطبيقه على نوع معين من محكومي جرائم الاغتصاب وما يماثلها
وعليه بقي جورج ستة أسابيع (بين نيسان- أيار 2012) قيد “الفحص” في “المركز الوطني للتقييم” في سجن فرين، حيث يزعم أطباء وعلماء نفس ومحللون نفسيون وإداريو السجون (أو “اللجنة المتعددة الاختصاص”) تقدير “الخطورة الجرمية” الناجمة عن “مرضه”: التزامه السياسي في معاداة الإمبريالية والصهيونية
لقد تأخرت اللجنة أكثر من شهرين على وضع تقريرها، ما يعيق التقدم والإسراع في إجراءات الإفراج عن جورج. وخرجت هذه اللجنة، في 30 تموز 2012، بتقرير سلبي يعارض الإفراج عن الأسير جورج عبدالله، لأنه ما يزال مريضاً بمواقفه التقدمية والوطنية
وكان سبق أن وضع الخبيران النفسيان في سجن لانيميزان، لهذا العام، تقريرهما المتضمن رأيهما الصحيح والإيجابي قبل تحقيقات “اللجنة المتعددة الاختصاص التابعة إلى “المركز الوطني للتقييم” في سجن فرين
– من الجدير بالذكر أن “خبراء” هذه اللجنة تقدموا بتقرير لغير صالح الإفراج عن مناضل مجموعة “العمل المباشر” الفرنسية جورج سيبرياني ، ما دفع محكمة الإفراج المشروط في العام 2010 إلى اعتبار أن اللجنة تجاوزت حدود صلاحياتها في تقريرها السلبي، لدواعي لا أسس قانونية فيها
وفي 21 تشرين الثاني 2012 اعلن مصدر قضائي فرنسي ان الأسير جورج عبدالله حصل على حكم مشروط بالافراج عنه. ووافقت محكمة تطبيق الاحكام في باريس على ثامن طلب للافراج عن عبد الله مع الطلب من وزارة الداخلية الفرنسية طرده من الاراضي الفرنسية في مهلة اقصاها 14 كانون الثاني 2013. ولكن للاسف تم تعليق هذا الحكم بسبب الاستئناف الذي تقدمت به وزارة العدل الفرنسية التي تعترض على اطلاق سراحه
ويمثل تصريح السفير الامريكي في باريس تشارلز ريفكين في بيان بان “هناك قلق مشروع من ان السيد عبدالله سيظل يمثل خطرا على المجتمع الدولي اذ سمح له بأن يذهب طليقا.” تعدياً سافراً على القرارات القضائية الفرنسية، وهو يشكل دليلاً دامغاً على ان الادارة الامريكية هي السجّان الفعلي لجورج عبد الله وليس الادارة الفرنسية
وفي 10 كانون الثاني 2013 قررت المحكمة رفض طلب الاستئناف واصرت على قرارها بالافراج عن الاسير اللبناني جورج ابراهيم عبد الله شرط ترحيله من الاراضي الفرنسية، معيدا بذلك الكرة الى السلطات الحكومية الفرنسية، إذ بات يتعين على وزارة الداخلية ان تتخذ قرار الترحيل بحلول الاثنين كما قررت غرفة تنفيذ الاحكام في باريس في 21 تشرين الثاني 2012، التي استجابت لطلب الافراج عن عبد الله وحددت 14 كانون الثاني موعدا نهائيا لترحيله.
في 14 كانون الثاني 2013 تأجيل قرار تنفيذ الإفراج إلى تاريخ 28 كانون الثاني لعدم قيام وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس بالتوقيع على الإجراءات المطلوبة.
في15 كانون الثاني 2013 تقدمت النيابة العامة الفرنسية باستئناف جديد مثّل علامة فارقة في اصول المحاكمات الفرنسية لانه حاء اعتراض في الشكل على قرار القاضي بالافراج عن عبد الله كونه استبق قرار وزير الداخلية بالتوقيع على قرار الترحيل.
في 28 كانون الثاني 2013 اجلت المحكمة موعد جلسة النظر في قضية جورج عبد الله الى 28 شباط، بدون أي مبرر.
في 28 شباط 2013 انعقدت جلسة المحكمة العليا لتطبيق الاحكام وقررت ان تتخذ القرار في 21 آذار.
في 20 آذار 2013 انعقدت جلسة محكمة الاستئناف وقررت ان تتخذ القرار في جلسة تعقد في 4 نيسان.
في 21 آذار 2013 تقرر تأجيل قرار “المحكمة العليا لتطبيق الأحكام” إلى 11 نيسان 2013 ، بانتظار قرار محكمة الإستئناف.
في ٤ نيسان ٢٠١٣ اصدرت محكمة التمييز الجنائية قراراً غير قابل للطعن، قضت بموجبه بتعطيل احكام الافراج المشروط عن عبد الله .
في11 نيسان 2013 اعلنت “المحكمة العليا لتطبيق الأحكام” أن الأمر خرج من يدها وفق قرار محكمة التمييز
في 15 نيسان 2013 تقدم الأسير جورج عبدالله باعتراض على قرار المحكمة، لم يتم البت فيه حتى اليوم
الشكوى امام فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي
في 24 كانون الثاني 2013 تقدم مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب بشكوى امام الفريق المعني بالاعتقال التعسفي التابع لمجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة ضد الحكومة الفرنسية على خلفية احتجاز المواطن اللبناني جورج ابراهيم عبد الله رغم صدور قرار قضائي باطلاق سراحه. أنشئ الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بموجب القرار ١٩٩١. ويرى الفريق العامل أن الحرمان من الحرية إجراء تعسفي في عدة حالات بينها فئتان تنطبقان في حالة الاسير عبدالله إذا اتضحت استحالة الاحتجاج بأي أساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية مثل إبقاء الشخص رهن الاحتجاز بعد قضاء مدة عقوبته أو رغم صدور قانون عفو ينطبق عليه (الفئة الأولى)؛ اذا كان الحرمان من الحرية ناجماً عن ممارسة الحقوق أو الحريات التي تضمنها المواد ٧ و ١٣ و ١٤ و ١٨ و ١٩ و ٢٠ و ٢١ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواد ١٢ و ١٨ و ١٩ و ٢١ و ٢٢ و ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في حالة الدول الأطراف في العهد الفئة الثانية في 5 حزيران 2013 رفع سكرتير فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي ميغيل دي لالاما الشكوى المتعلقة بالمعتقل اللبناني جورج ابراهيم عبدالله الى الحكومة الفرنسية في تاخير غير مبرر دام خمسة اشهر، وفي ٢١ اب ٢٠١٣ قدمت الحكومة الفرنسية ردوداً على الادعاءات التي تضمنتها الشكوى. وفي ٢٨ اب ٢٠١٣ اصدر فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي قراراً اعتبر فيه الإجراءات والقرارات الصادرة عن المحاكم الفرنسية بشكل منتظم، وغير متنازع عليها، وأن احتجاز السيد عبد الله لا يمكن وصفه بالتعسفي وفقاً لأحكام الفقرة 17 ب من أساليب عمله
Laisser un commentaire