هل بالإمكان إنقاذ حلف الناتو؟
النقاش الدائر حول نهاية حلف شمال الأطلسي (الناتو) قديم قدم الحلف نفسه، ومنذ 70 عاما تبقى التقارير حول زواله القريب مبالغة جدا. وبغض النظر عن هذا فإن رئيس فرنسا ماكرون محق عندما يقول بأن الناتو ميت دماغيا وذلك منذ مدة. وحتى لو أثار هذا حفيظة المستشارة الألمانية وآخرين، فإن الرئيس الفرنسي يقول الحقيقة، لأنه من الناحية السياسية لم يكن حلف الناتو أضعف مما هو عليه الآن. وأحد مواطن ضعف الحلف يكمن في الرئيس الأمريكي المتخبط. فحسب مزاجه ورغبته يهين شركاءه، ويشيد بمستبدين مثل الرئيس التركي أو كيم جونغ أون في كوريا الشمالية أو يضع علامات استفهام على وجود حلف الناتو. لكن رده على انتقاد إيمانويل ماكرون في لندن جاء مفرط الحساسية وتحول فجأة إلى أقوى مدافع عن الحلف. فعلى ما يبدو ترامب وحده يحق له انتقاد الناتو. إنها لعبة صبيانية. وحتى في قراراته الانفرادية يعمل الرئيس الأمريكي بشكل هدام. فهو يسحب الوحدات الأمريكية دون تنسيق من سوريا ويفتح الباب للتدخل العسكري التركي ضد الأكراد، الذين قادوا الحرب ضد تنظيم « داعش » لصالح الغرب. إنه مثال وخيم العواقب لخيانة الحلفاء بتكاليف إنسانية وسياسية عالية. وهذا فقط مثال واحد على عدم قدرة دونالد ترامب على اتخاذ قرارات استراتيجية في المصلحة المشتركة. وداخل حلف الناتو يأملون في صمت في أن لا يُعاد انتخابه في السنة المقبلة. وفي زمن الحرب الباردة كانت الحياة سهلة بالنسبة إلى حلف الناتو: إذ كان يمثل القوة المضادة لحلف وارسو. والمهام كانت واضحة، وعقيدة الردع المتبادل نموذجا استراتيجيا بسيطا. و30 عاما بعدها لم يعد لدى الحلف أجوبة على عالم متغير تماما. ويتم المرور من أزمة إلى أخرى ومن لقاء قمة إلى آخر. ولأول مرة تقريبا تم خلال لقاء لندن الحديث عن الصين كتحدٍ مستقبلي. لكن هذا لا يعني الكثير، لأنه لا توجد سياسة مشتركة تجاه بكين ـ فمصالح الدول الأعضاء مختلفة للغاية. لكن على كل حال قام الشركاء بتسمية صعود هذه القوة العظمى الجديدة كتهديد محتمل، وبذلك منحوا الإذن للتفكير في عواقب السياسة العنيفة الصينية بالنسبة إلى الأمن المشترك. إنه وضع يوحي وكأننا ننظر إلى عملاق عجوز وساذج بعض الشيء وهو يفكر. فأوقات ردود الفعل تبدو بلا نهاية. مثلا تجاه المخاطر الجديدة بسبب تحول المناخ التي أثارتها رئيسة وزراء النرويج، أو نظرا لمخاطر عدم الاستقرار الإقليمي بسبب مجموعات إرهابية متحركة تريد فرنسا أن تولي لها اهتماما أكثر. وأحيانا تكون ثقوبا سياسية سوداء أوجدها جزئيا أعضاء حلف الناتو بأنفسهم، مثلا في ليبيا، التي تتحول إلى مرتع تفريخ الإرهاب وتجارة البشر، اللذين يهددان أوروبا. حلف شمال الأطلسي ينقصه نوع من الدماغ السياسي، أي لجنة تبلور في آن واحد تحليلات وقادرة على إعداد قرارات. « مجلس الحكماء » الذي من شأنه الآن وضع مخطط زمني للمستقبل ما هو إلا حل طارئ. وهناك نقطة ضعف إضافية للحلف وهي أنه مع وجود عدد متزايد من الدول الأعضاء، التي لديها باستمرار مصالح متباينة؛ يصبح الإجماع بمنزلة قيد معيق بشكل متزايد. كما أنه لا توجد آليات عقاب واقعية في حال تتبع بلدان أعضاء بغير مبالاة مصالح قومية بحتة مثل تركيا بضربتها ضد الأكراد وشراء منظومة صواريخ روسية. ومثل هذه الأفعال تفتح انشقاقات داخل النسيج الأمني المشترك لا يمكن سدها بعبارات الحلول الوسط مثل ما حصل في لندن. وهي تثير شكوكا لحد ما بشأن ما يُسمى « القيم المشتركة ». على عكس تشخيص إيمانويل ماكرون، ورغم أن حلف الناتو في غيبوبة، إلا أنه لم يمت بعد، لأنه حتى الخطوات الأوروبية نحو جعل الأمن الذاتي مشروعا مشتركا تسير ببطئ. ولا يمكن لها في المستقبل القريب تعويض الحلف. أما إلى أي حد لدى حلف الناتو قدرة على الإصلاح بسبب الضغط الخارجي والداخلي المتزايد، فهذه مسألة تبقى محل شكوك. والكثير رهين في ذلك بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن شيئا يبقى واضحا وهو أن الرئيس الفرنسي قدم خدمة لحلف شمال الأطلسي في عيد ميلاده الـ 70 بصراحته غير الدبلوماسية
Laisser un commentaire