قيس سعيد رئيسا لتونس, ماذا بعد؟
د. محمد غرس الله – خاص الفجر – يعد وصول قيس سعيد (الرئيس السابع للجمهورية التونسية) – لقصر قرطاج بخطابه الذي
تقدم به للإنتخابات – حدثاً ملفتاً يتطلب النظر والتحليل، فالرجل قادم من خارج المؤسسة
الحزبية التقليدية وتم أختياره وفق الإنتخابات الرئاسية، وهو أستاذ جامعي في مجال القانون
تعرفه قاعات الجامعات التونسية في تونس العاصمة وسوسة متخصصاً في القانون الدستوري،
قدم خطاب في حملته الإنتخابية معبراً عن مسار جديد في الخط السياسي التونسي الرسمي فيما
يتعلق بالسيادة الوطنية، والموقف من القضية الفلسطينية، وما يتعلق بالعلاقة مع الكيان
الصهيوني الغاصب، كما قدم وبشكل ملفت لغة عربية قوية وسليمة بعيدة عن التلهيج
والفرنسة، كل هذه السمات تبدو مهمة ولافت في ما نتوقعه من تأثير يحدثه هذا الرئيس القادم
في زمن يبدو حيوي، وهذا سيكون له معنى عربياً بكل تأكيد، دعونا نرى
إننا بالنظر للحدث المهم في تونس لسنا في وارد الحديث عن الخوارق السياسية او ظهور
السياسي السوبرمان، ولكننا أمام توقع تأثير الخط الذي بدا عليه الرئيس الجديد، والذي يمتح
من مسيرته السياسية في مجال القانون وخطابه الانتخابي المميز والواضح والذي حمل الجديد
(كرئيس) في التعبير بصوت سياسي جديد من طراز مختلف هو اليوم في قصر قرطاج –
رئيساً – وما يمكن أن يتوقع منه في إحداث تغيير وتطوير يمس الوضع الوطني التونسي
خاصة في الأعماق المهمشة، وأيضا ما يعبر عنه من الرؤية الشعبية التونسية فيما يتعلق
بالقضايا الإستراتيجية أمام الوضع العربي المتردي، وتصحيح الدور التونسي الرسمي حياله
في الحقيقة أن وصول (قيس سعيد) لقصر قرطاج في تونس يقول شيئاً مهما في الداخل
والخارج، ويمكن لنا أن نتوقع تغيرات إيجابية داخلية وخارجية فهو وصل بإنتخابات نظيفة
مرضي عنها شعبياً وبطريقة مشروعة وفق النظام السياسي التونسي وهو ما يعطيه مشروعية
وقوة وفاعلية تحريك وإحداث تغيير إيجابي حقيقي، وفي ذلك ثمة تحديات تواجهه يمكن
حصرها في تحديات داخلية
أولاً: تحديات أساسية وحاسمة متعلقة بإمكانية تحريك عجلة التنمية نحو الدواخل والأعماق
المهمشة وكسر الطبقية الجغرافية والمناطقية التي تعرفها تونس، تلك المناطق الفقيرة المعدومة
التي تعيش في الظل سوى حول المدن الكبرى أو في الجنوب التونسي، من حيث ضعف البنية
التحتية وإنعدام أماكن الشغل وفرص العمل، خاصة الأسر الفقيرة والنساء العاملات في الفلاحة
والقطاعات الوسطى من الشباب المهمش في الدواخل التونسية، وهو أمام تحدي يحقيق
توازنات تنموية وتساوي الإنجاز بين الجهات التونسية، وذلك بالفكاك من سطوة رجال
الأعمال وتأثيرهم على الخط السياسي وإتجاهات التنمية وتوزيعها الجغرافي، الأمر الذي
يساهم في تجفيف منابع إستغلال الشباب في حروب الجيل الرابع، ويوقف نزيف الهجرة إلى
الخارج، ويحدث إنتعاش حيوي في الأعماق التونسية.
ثانياً: تحديات متعلقة بإحداث تطوير إيجابي في بنية المنظومة السياسية في تونس، وحلحلة
المنظومة العميقة التي تجذرت وتمكنت عبر الزمن، وهي التي تشكل البيئة التي تؤثر في
تونس على المدى الأعمق والأبعد، وهي مكونة من شخصيات تاريخية مخضرمة لها أتباعها
في العمق ذات نزوع له تأصيله يعتمد أحياناً على الأرث البورقيبي، وله شبكته التي تنسج
خيوطها وفاعليتها في مفاصل الدولة وهي الأكثر تاثيراً في الأوقات حاسمة خاصة في التنسيق
مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً، فبالمعنى الذي ظهر عليه قيس سعيد في خطابه الانتخابي
وسيرته الذاتية – يبقى هذا الرئيس الجديد أمام تحدى: إما أن تحتويه هذه المنظومة عبر
خطوطها العريضة فيتوافق معها ويسير في إطارها العام مع السماح له بهامش التعبير
والمناورة، او يستطيع هو حلحلتها وبالتالي يتمكن من فنح الباب لتنويع هذه المنظومة من
الواقع التونسي الذي عبر هو عن الكثير من تجلياتها بطريقة او أُخرى من الطيف التونسي
المتنوع (تنوعات القوميون العرب والقوى الوطنية الشعبية بتنوعاتها والإتحاد التونسي للشغل)
بالإستفادة من وصول شخصيات تمثل العمق التونسي بمعناه العربي والقومي للبرلمان
التونسي (حركة الشعب – المثقف الصافي سعيد – سالم الابيض .. وغيرهم)، فهل ينجح
بصنع معنى لهذا الطيف يكون له تأثيره العميق والمستمر سياسياً وإقتصادياً، وهل يستطيع أن
يلعب دور المايستروا بجعل كل ذلك معتبراً في الخط العريض للسياسة التونسية الرسمية
داخلياً وخارجياً، متسقاً مع ما كان يقوله أثناء الحملة الإنتخابية فيما يتعلق بقضايا الأُمة العربية
والعروبة والتطبيع وموقفه الواضح الجلي من القضية الفسطينية بشكل يبدو جذري، وحلحلة
إتجاه الدور التونسي الخفي (دور الجهاز السياسي العميق والأمني والعسكري المتحالف
والمتسق مع القفاز القطري – دور حركة النهضة واذرعها) في ما يجري في ليبيا، وأيضا
الأكثر إثارة وأهمية موقفه من قضية اللغة العربية التي دأب على التعبير بها فصيحاً عربياً
مفوها يبدو واضحاً في مواجهة سطوة وتمكن فرانكوفونية.
ثالثاً: تحديات متعلقة بتهذيب دور الإسلامويين خاصة الشبكة المرتبطة والقريبة من الجهاز
السري لحزب النهضة ونفوذ ودهقنة الغنوشي وإرتباطاته، فيما يتعلق بدورها التكاملي مع
(الأردوغانية) والدور القطري وإرتباط ذلك بما يتم فعله في المنطقة العربية خاصة في ليبيا
وسوريا (لا أحد يضمن أن لايتم القيام بنفس الدور في الجزائر حال إستهدافها فالذي غدر ليبيا
وسوريا يمكنه فعل ذلك مع الجزائر دون أدنى شك حيث أن هؤلاء الفاعلون لا يتوبون ولا
يرتدعون)، فالإسلامويين منذ عام 2011م في تونس تغلغلوا بفعل فاعلية حزب النهضة
وقدرته التنظيمية وشبكته المتينة والمستندة على القدرة والمهارة الفائقة في (العمل السري)
والتقية والقدرة على التخفي والبراغماتية كاسلوب تمكين وتمكن، ولذا فالرئيس (قيس سعيد)
سيواجه عاجلاً ام أجلاً تلك الشبكة من خلال دوره السياسي والذي بين هو خطه فيما قاله
وصرح به، وهو ما يبدو مختلفاً مع مسيرة النهضة ودورها الإقليمي، فهي كانت ولازالت
فاعل ولاعب كبير في منظومة الإسلامويات في المنطقة العربية من خلال علاقتها بلندن
والدوحة وإسطنبول
رابعاً: تحديات إنتشال والمساعدة في فكاك الإسلام التونسي الشعبي المحلي المتجذر من يد
وسيطرة الجماعات المنظمة، وإعادة الإعتبار لدور جامع الزيتونة بعيداً عن الجماعات
الإسلاموية العابرة للحدود، تلك الجماعات التي بحكم تطور حروب الجيل الرابع تقع غالباً في
حبائل اللعبة الدولية عبر تحالف المال والاعلام والفتوي واللعبة الدولية، فتونس التاريخية في
مسالة الإسلام والدفاع عن الثقافة العربية الإسلامية لها السبق شعبياً في لعب دور إيجابي في
محيطها في قضايا الإصلاح الفكري وتهذيب سلوك المجتمع ونفوذ الأوامر والنواهي القرأنية،
الأمر الذي يعد حيوي وضروري في إنتشال هذه المقدرة التونسية من أيادي الشبكات العالمية
التي تسيرها غالباً إدارة أعمال في إطار اللعبة الدولية حتى دون أن يعي الكثير من البسطاء
من المنتمين للحركات الإسلاموية
التحديات الخارجية
أولاً: تحديات متعلقة بالدور التونسي في الفضاء العربي فتونس التاريخية لها تأثير في مسيرة
الأمة العربية منذ القدم، وهي في المغرب العربي دُرة العروبة المكنونة، حيث يبرز تحدي
إستعادة إيجابية هذا الدور والذي للأسف كان (رسمياً) في اللحظة العربية الحرجة
متسقاً بل واداة مكملة لدور القفاز القطري خاصة في ليبيا، الأمر الذي لم تعهده
تونس التاريخية حيث تم (الغدر بليبيا) عبر المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية التونسية
يمثلها الباجي وأخرون متجذرون في المطبخ السياسي التونسي – الجنرال رشيد عمار ممثلاً
للجيش – والجهاز الأمني العميق) بالمشاركة في إتخام ليبيا بالأسلحة بل وفتح منفذ غير
قانوني على الحدود الدولية وإدخال (أطنان الأسلحة القطرية) وفتح القواعد العسكرية والمواني
لإستقبال تلك الأسلحة وتسهيل عبورها للجارة ليبيا، الأمر الذي سبب ولا يزال يسبب أضرار
بالغة لازالت مستمرة على ليبيا المجتمع والدولة والنسيج الإجتماعي.
ثانياً: تحدي الموقف من الشراكة الإستراتيجية التونسية مع الولايات المتحدة، فهذه الشراكة
تفسر في إطار سلوك الولايات المتحدة في المنطقة العربية، في إطار أدارة أميركا للوظيفية
السياسية للأنظمة العربية في سياق هذا السلوك، فمن خلال موقف الرئيس الجديد من العلاقة
بالكيان الصهيوني الغاصب (التطبيع كمصطلح ومعنى)، تتضح ملامح سياقه السياسي وما
يتوقع منه، وهو ما سيكون حتماً مطروحاً في مسالة هذه الشراكة الإستراتيجية مع الولايات
المتحدة والدور الوظيفي المرسوم لها، سوى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وما يتعلق بما
يجري في منطقتنا العربية والذي في الكثير منه من ضمن حروب ا لجيل الرابع التي تلعب بها
أيادي الغرب
ثالثاً: تحدي تصحيح العلاقة مع سوريا، فالمرتزقة من الشباب التونسي الذين حفزتهم ونظمتهم
وسفرتهم الجماعات الإسلاموية من تونس (رغم رفض تونس الشعبية العميقة لذلك) عبر
جهازها السري والذي لم يكن بالتأكيد بعيداً عن أعين جهاز الأمن التونسي القوي والمعروف
بفطنته وحرفيته وقدرته العالية على ضبط الأمن، فالأف الشباب من تونس تم نقلهم لقتال
الليبيين والمشاركة في الحرب عليهم، وأخرون عبرها إلى سوريا بفعل فاعل يعرفه الأمن
التونسي القوي جيداً، وشاركوا في قتل وتهجير وتدمير سوريا وشعبها
رابعاً: تحدي الدور التونسي المطلوب في المغرب العربي، فتونس عنصر فاعل وقوي وله
تقديره وإحترامه بين إخوته في المغرب العربي، وتحريك عجلة التكامل في المنطقة يعد عاملاً
حيوياً خاصة وأن تونس تحضى بعلاقات أخوية متينة مع كل بلدان المغرب العربية، وتونس
الشعبية والدولة وخدماتها ترتبط اقتصادياً بكل جدارة بليبيا والجزائر في السياحة والعلاج،
وهو مايعد تكاملاً مهما نجحت تونس في إنجازه حقق لها فؤائد إقتصادية ومالية معتبرة، وهذا
في المغرب العربي يحسب في طريق وحدة المنطقة وتكاملها فنحن شعب واحد واسرة واحدة
وبنية تحتية واحدة
أن المتوقع من الرئيس التونسي الجديد (قيس سعيد) يعد تفاؤلاً مهماً بالنظر لما يمثله من خلال
خطابه ومسيرته المهنية وطريقة وصوله للرئاسة وأيضاً المقدرة التونسية الواعية، وهذا
المتوقع أيضاً مرتبط بأهمية تونس في أُمتها العربية فتونس شعبياً دائماً تُحدث الفرق ولها تأثير
كبير في محيطها عبر نخبها وإعلامها ووعي شعبها وقطاعاتها الشعبية من طلاب ومحامين
وأكاديميين معتبرين في دنيا البحث العلمي والإنتاج الفكري، وإتحاد تونسي للشغل وأيضاً من
خلال الكثير من السياسيين البارزين، إنها تونس والحدث فيها لا تؤطره الحدود ولا يغلق عليه
باب، فتونس نسيج عربي متين متواصل مع قضايا أمته في عمقها في دمها ولحمها، ونحن
الليبيون – من بين إخوتنا العرب – الأكثر إرتباطاً بتونس فهي منا ونحن منها (ليبيا وتونس
أشبه حالة عربية باليمن الشمالي واليمن الجنوبي سابقاً)، فما يحدث في تونس يُخصنا ويتعلق
بنا ويؤثر فينا بطريقة او أُخرى، ورئيسها هو رئيسنا نحن أيضاً حتى وإن لم نضع أوراقاً في
صناديق الإنتخاب لإنتخابه
والله من وراء القصد
Laisser un commentaire