احتدام النقاش في فرنسا حول منع الحجاب
تجددت أجواء العنصرية والإسلاموفوبيا في فرنسا، ونشط اليمين المتطرف في إذكاء تلك الأجواء، بالتزامن مع زيادة الاحتقان عقب الكشف عن حقيقة أن الشرطي قاتل
رجال الشرطة الأربعة في مقر شرطة باريس اعتنق الإسلام قبل سنوات، ليحتدم النقاش حول الإسلام والحجاب.أوتاحت هذه النقاشات انتشار التصريحات العنصرية، خاصة بعد خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تأبين رجال الشرطة، الذي هاجم فيه الإسلام بشكل غير مسبوق، وهو ما رحبت به المعارضة اليمينية واليمين المتطرف، الذي استغل المناسبة لتصعيد الهجوم على الإسلام والمسلمين بزعم عدم اندماجهم في المجتمع الفرنسي. وانتهز السياسي الصاعد من اليمين المتطرف، جوليان أودول، انعقاد اجتماع للمجلس الإقليمي لمنطقة « بورغون-فرانش-كونتي »، دعي إليه تلاميذ مع أمهاتهم، فهَاجَم سيدة محجبة ترافق ابنها في نزهة مدرسية أطلق عليها وصف « جمهوريتي وأنا »، وطالبها أن تنزع حجابَها باسم « مبادئنا الجمهورية والعلمانية »، ورفضت الأم التي كانت تضم ابنها الذي لم يَكف عن البكاء، لتنتشر صور للواقعة في مواقع التواصل وتثير احتقانا كبيرا بالتزامن مع رفض أودول الاعتذار. ولا يحظر القانون الفرنسي دخول نساء محجبات إلى اجتماعات المجالس الإقليمية، لكن « الهوَس الفرنسي » حول الحجاب، كما عنون موقع « ميديا بارت »، عاد من جديد، ليس فقط إلى وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين اليمينيين، بل من الحكومة الفرنسية التي يكتشف الفرنسيون المسلمون أنها غير منسجمة في مواقفها من القضية. وإن كان وزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكي، لم يجرؤ بعد على المطالبة بتغيير قانون الحجاب في المدارس، إلا أنه كرر أن « الحجاب غير مرغوب فيه في المجتمع، ولا يعتبر شيئا يمكن التشجيع عليه. القانون لا يحظر على الأمهات المحجبات مرافقة أبنائهن، ولكننا لا نأمُلُ التشجيع على الظاهرة »، ليطلق عليه البعض في مواقع التواصل الاجتماعي لقب « وزير الإسلاموفوبيا ». ولقيت مواقف وزير التربية الوطنية القادم من اليمين ترحيباً كبيرا من زميله وزير الاقتصاد،برونو لومير، وهو أيضا قادم من اليمين، الذي قال: « لا أعتقد أنه من المرغوب فيه غدا أن تكون في المجتمع الفرنسي نساءٌ محجبات ». وكتب القيادي في حزب « الجمهوريون »، إيريك سيوتي: « الحجاب استفزاز، ويجب على القانون أن يحسم الأمر ». وأيد الوزير بلانكي في فبراير/شباط الماضي، تعديلا في البرلمان قدَّمه سيوتي لحظر النزهات المدرسية على الأمهات المحجبات، لكن الحكومة رفضت التعديل. وردّت لطيفة بن زياتن، والدة الجندي الفرنسي عماد الذي قتله الإرهابي محمد مراح: « لا يوجد استفزاز في ارتداء الحجاب »، وعبرت عن « حزنها الشديد على الأم وعلى الابن »، الذي اعتبرت أنه « التقط نظرة سيئة عن الجمهورية »، والتي هي في حقيقة الأمر « تَجمع، ولا تفرق، وتشجع على العيش المشترك » بين كل الفرنسيين. وسارعت الناطقة باسم الحكومة، سيبيث ندياي، وهي من أصول سنغالية، إلى الدفاع عن حق المحجبات في مرافقة أبنائهن في النزهات المدرسية، مشددة على أن موقفها « شخصي »، وأن الاندماج « هو السماح لنساء منغلقات بالاحتكاك مع نساء أخريات »، في حين سخر النائب البرلماني عن الأغلبية الحكومية، أوريليان تاشي، وهو قادم من اليسار، من « الوزراء الذين يتحولون إلى رجال دين، ويبدأون في إملاء خيارات أخلاقية وروحية على المواطنين ». وبين نتائج النقاش القديم المتجدد، مشاركة أصوات
من أصول عربية وإسلامية في الهجوم على المحجبات بشكل أكثر عنفا، ومن هذه الأصوات المغربية الأصل زينب الغزوي، والجزائري الأصل محمد سيفاوي. ان معركة الحجاب في فرنسا لم تكن وليدة عام أو عامين بل هي متجذرة في ضمير الدولة العلمانية.. فهذا القانون الذي يوصي به جاك شيرك ليفرض رسمياً من قبل المجلس التشريعي في مرحلة قادمة لا تتعدى شهوراً هو بند في قائمة توضح كيف يدافع هؤلاء عن (علمانيتهم) ويحاربون في الوقت نفسه من يرغب الحفاظ على معتقده!! يدعون أنهم بلد الحريات والحفاظ على حقوق الإنسان ويخفقون أمام العالم في تطبيق وتنفيذ هذا الحفاظ على الحقوق إذا ما كانت هذه الحقوق لها علاقة بالمعتقد الإسلامي.. لأن الأعماق لديهم لاتزال تحمل خوفاً من (الخطر الأخضر) كناية عن دين الإسلام.. ومن شاهد الحوار الذي اقامته مقدمة برنامج (للنساء فقط) في قناة الجزيرة مساء يوم الاثنين 1424/10/28هـ والذي استضافت فيه جيلان هودش عضو لجنة ستازي الفرنسية ومديرة ثانوية والسيدة محرزية العبيدي نائب رئيس المؤتمر العالمي للاديان من أجل السلام في أوروبا وعضو فيدرالية مجالس التلاميذ في فرنسا – واستعرضت عبارات الرئيس الفرنسي شيراك وهو يعلن (حظر الحجاب في المدارس لأنه رمز ديني!! ويقول لا مانع من صليب صغير ولكن ليس كبيراً!!). ومن تابع ما ذكرته المذيعة لونة الشبل من عبارات شيراك الذي يرى في الحجاب (عدوانية ما) حيث ذكرت انه قال هذا بعد زيارته لإحدى المدارس الفرنسية في تونس في يوم 2003/12/5م وكما يبدو أنه شاهد التلميذات يلبسن الحجاب هناك.. هذه الصحوة الإسلامية تقلق هؤلاء العلمانيين ويرفضونها ولهذا يحاربون أي مظهر ديني محتشم ويحاربون المسلمين أن يحافظوا على دينهم ومعتقداتهم وهم يدركون جيداً ان الحجاب ليس عدوانية وانما هو (تشريع رباني) أُمرت به المرأة المسلمة.. ومن تابع حوار السيدة جيلان سيجده خالياً من المنطق فمرة تسند المنع إلى انهن يحمين هؤلاء الفتيات من رغبات أولياء أمورهن..!! ومرة انهم استندوا في هذا المنع إلى ما جاء في توصيات لجنة سكازي التي تتكون من مجموعة من المثقفين، وكما يعرف أن منهم محمد آركون وهو علماني ولا يمثل (المسلم) وربما الشخص الوحيد فيهم الذي كان موضوعياً هو أستاذ علم الاجتماع الفرنسي جون بوبيرو الذي تحفظ على هذا القرار وقال ما معناه (إن النقطة التي عارضها في توصيات اللجنة الخاصة بالحجاب عندما يكون هذا الحجاب رمزاً مقبولاً وليس مستفزاً!! وشرح ذلك أن الحجاب المستفز إذا ما حاولت من ترتديه إقناع الآخرين به أو تصف من لا ترتديه أنها ليست بمسلمة حقيقية!! مما يحدث فوضى في المدارس، اما إذا لم يعطل الحجاب الدروس ولم يعطل العملية التعليمية فلماذا تمنع الفتاة من ارتداء الحجاب؟)… أما السيدة حميدة نعنع فقد عبرت بوضوح عن علمانيتها وبعدها التام عن نص الحوار من بعد ديني إسلامي.. أما السيدة محرزية العبيدي فحوارها كان منطقياً وتحدثت من واقع عن هذه المغالطات التي تواكب هذا القرار. ما هو واضح ان هناك هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين والمسلمات.. وسقطت كل دعاوى دعاة التنوير!! والمدافعين عن (حريات الأفراد) فهاهم يجفلون من انتشار هذا الحجاب بين الفتيات المسلمات الفرنسيات ويشكل لديهم رعباً من تنامي ظاهرة معتنقي الإسلام من الفرنسيين. فكان لابد من هذه القرارات التعسفية التي توضح كيف يتكالب أعداء الإسلام متضامناً معهم المتهاونون من المسلمين أو المحسوبون على الإسلام فيعتبر بعض المشايخ ان (منع الحجاب في فرنسا قضية داخلية)!! وكأن أمر المسلمين هو ورقة تعبث بها رياح العلمانيين كيفما شاءوا! بينما في الوقت نفسه يحتج على هذا القرار من هم من الفرنسيين أنفسهم!!. إن (منع الحجاب في فرنسا وقبله في ألمانيا) إن لم يقابل بما يتفق وشرعيته الدينية حماية لمعتقد المسلمات المحافظات على أوامر الخالق وليس قوانين الدول الوضعية، فإن العدوى ستنتشر في بقية المجتمعات الغربية.. وكما قالت إحدى المشاركات في حوار البرنامج (للنساء فقط) بما معناه: « إن كان الانتقاد سابقاً لطالبان لمنعهم النساء من التعليم!! فإن هذا القرار سيمنع النساء المسلمات في فرنسا من العمل ومن التعليم ليحافظن على حجابهن ». ويبقى سؤال محوري يواجه دعاة عدم التمييز ضد المرأة من يهلل (لاتفاقية السيد او).. أين هم الآن من هذا الانتهاك لحرية المعتقد الذي يواجه النساء المسلمات سواء الفرنسيات أو غير الفرنسيات ممن يقمن في فرنسا؟! بقى لي تعليق.. ما الذي ينبغي على المنظمات الإسلامية أن تقوم به لمواجهة هذا الاعتداء على حقوق المسلمات؟
Laisser un commentaire