زيادة تدفق اللاجئين إلى اليونان تثير قلق أوروبا
مَنْ يعلن الآن وعلى حين غرة عن غضبه إزاء أوضاع مخيمات اللاجئين المزرية في موريا بجزيرة ليسبوس اليونانية، فإما يكون جاهلاً أو منافقاً. الأوضاع البائسة في جزر بحر ايجة ليست وليدة اليوم فقط، وإنما نتيجة تراكمات إهمال سنوات طويلة وسط صمت وتجاهل متعمدين من قبل السياسة الأوروبية والحكومة اليونانية وحتى الصحافة والإعلام جزئياً بحجة أن الصفقة التركية الأوروبية لوقف هجرة اللاجئين إلى اليونان قادمين من تركيا تعمل كما هو مخطط لها. والحقيقة كان هذا الموقف صحيحاً في البداية، فعدد الوافدين إلى اليونان تراجع بشكل كبير، وتوقف سيل اللاجئين على طريق البلقان، ما أشار إلى فاعلية الاتفاق. لكن ذلك لم يعد صحيحاً الآن، فبعض بنود الاتفاق التركي الأوروبي لم يتم تنفيذها أو جرى تطبيقها بشكل غير كامل. والنتيجة: أعمال عنف وأوضاع بائسة في معسكرات اللاجئين في اليونان وشلل واضح في سياسة الهجرة الأوروبية. ومثل هذه النتائج كانت متوقعة. ففي نيسان/ أبريل 2016 زار الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس معسكراً لإيواء اللاجئين في اليونان واهتز غضباً نتيجة للأوضاع فيه، وأصبح واضحاً أن صفقة اللاجئين لا يمكن أن تنجح إذا أستمرت الأوضاع على هذه الشاكلة. السلطات اليونانية لم تكن يوماً قادرة على تنظيم عقلاني وإدارة معسكرات اللاجئين، وهي ليست اليوم كذلك. فالاتحاد الأوروبي دعم اليونان بالكثير من الأموال والموظفين، لكن ذلك لم يكن مستديماً، فلا وكالة اللجوء الأوروبيةولا سلطات حماية حماية الخارجية للاتحاد الأوروبي تمكنتا من توفير دعم دائم للسلطات اليونانية في هذا المجال. وكان يفترض، وفق الصفقة التركية الأوروبية، أن تتم إجراءات تقديم اللجوء والبت فيه خلال أيام قليلة. لكن الواقع يظهر أن الإجراءات تستغرق عدة أشهر أن لم نقل سنوات. فاللاجئ الذي يقدم طلب لجوء في جزيرة ليسبوس التي وصلها اليوم، سيتم الاستماع لإفادته في جلسة أولية من قبل موظفين معنيين في ربيع 2021، على أقرب تقدير. إلى ذلك لم تساهم مشاركة موظفين من دول أوروبية مختلفة في تنفيذ إجراءات اللجوء في اليونان والتي تم تمجيدها مراراً، في حل المشكلة. من جانب آخر، نصت صفقة الهجرة بين تركيا وأوروبا على أن يتم ترحيل اللاجئين الذين تُرفض طلبات لجوئهم إلى تركيا، وهم يشكلون الأغلبية من المهاجرين. لكن هذا البند لم يتم تنفيذه بالكامل، فعدد الذين تم ترحيلهم لحد اليوم هو 2200 شخص، وفق إحصائيات المفوضية الأوروبية. ولا يمكن تحديد الجهة التي تتحمل مسؤولية الإخفاق في تنفيذ هذا البند.
ومقابل كل لاجئ يتم ترحيله إلى تركيا، وعد الاتحاد الأوروبي بقبول لاجئ سوري مقيم في تركيا. وكان لهذا البند لو تم تنفيذه أن يوفر مكاناً في أوروبا لقبول نحو 72 الف لاجئ سوري من المتواجدين في معسكرات لجوء تركية. لكن واقع الحال يقول إن نحو 25 ألف فقط من المقيميين في معسكرات تركية تم إعادة استيطانهم في دول أوروبية تنفيذ للاتفاق بين أنقرة وبروكسل. رقم هزيل للغاية مقارنة بـ 3.6 مليون لاجئ استقبلتهم تركيا. ولم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي لحد اليوم من الاتفاق على نسبة توزيع عادلة للاجئين بينها، فيما تعارض دول مثل بولندا وهنغاريا وإيرلندا وبريطانيا والدنمارك قبول أي لاجئ مقيم في تركيا. أما الدول التي وافقت على استقبال لاجئين من تركيا وفق الاتفاق، فكانت ألمانيا والتي استقبلت قرابة 8596 لاجئاً سورياً من المقيميين في تركيا من مجموع 25 الف لاجئ تم قبولهم في أوروبا عموماً. وعلى هذا الأساس يبدو مفهوماً ما تقوله تركيا من أن بند تخفيف العبء عنها لم يتم تحقيقه إلا في نطاق ضيق للغاية. ورغم أن أعداد الوافدين إلى اليونان حالياً لا يمكن مقارنتها بأعداد اللاجئين في عامي 2015 و2016 عندما وصل مئات الآلاف من اللاجئين إلى اليونان وواصلوا المسير إلى دول شمال أوروبا ووسطها، إلا أن أعداد اللاجئين من تركيا إلى اليونان عبر بحر آيجة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً. في بعض الأيام وصل المئات من اللاجئين إلى معسكرات مكتظة بالبشر من مختلف أرجاء المعمورة. لكن الوافدين الجدد ليسوا بغالبيتهم من السوريين، فالمجموعة الكبيرة بينهم هم من الأفغان الذين لم يتم تأخذهم صفقة الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار. مسلسل قوارب المهاجرين إلى اليونان لا تنقطع وتسبب أرقا أوروبيا وتركيا من جانبها تشتكي منذ فترة طويلة من أن الاتحاد الأوروبي لا يفي بالتزاماته. وهي محقة بذلك جزئياً، فالاتحاد الأوروبي لم يف مثلاً بوعد قطعه على نفسه أمام تركيا فيما يخص تعجيل المشاورات بشأن حرية التنقل للمواطنين الأتراك إلى أوروبا دون تأشيرة مسبقة. كما أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد توقفت دون آفاق لاستئنافها. وفيما يخص مباحثات الوحدة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي لم تحقق أي تقدم على الإطلاق. ولكن ما يغيض تركيا بشكل كبير هو الوعد المالي، حيث وعد الاتحاد الأوروبي بمساعدة تركيا مالياً بمبلغ 6 مليارات يورو حتى عام 2022، وتشتكي تركيا من أن الدفوعات تجري بشكل بطيء للغاية. فيما يقول الاتحاد الأوروبي إنه قد حول مبلغ 2.4 مليار يورو. ولتسهيل أمر دفع المال الأوروبي، يجري التفكير بتحويل المال مباشرة إلى الدولة التركية. وكان الاتحاد يحول المبالغ لحد الآن عبر المنظمات العاملة في إغاثة اللاجئين في المعسكرات الإيواء التركية لضمان وصول المال إلى مشاريع تخدم اللاجئين فعلاً. من جانب آخر، يُقال أن تركيا قد قلصت إجراءات الرقابة على السواحل لردع المهربين، ما مهد الطريق أمامهم مجدداً لتسيير قوارب تقل اللاجئين إلى اليونان. نقل بعض اللاجئين من الجزر إلى اليابسة عند الضرورة القصوى ويبدو أن وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر الذي انتقل من أنقرة إلى أثينا سيعبر عن حزنه وأسفه لما يعانيه اللاجئون في المعسكرات اليونانية. لكن مصادر في الداخلية أشارت إلى أن الوزير لن يقدم وعوداً بمساعدة فعلية. فيما يقول بعض الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي إن صور البؤس ومعاناة اللاجئين في معسكرات الإيواء في اليونان أمر مطلوب لغرض ردع كل مهاجر في تركيا يرغب في أن يتوجه صوب دول الاتحاد الأوروبي. وحسب قرارات زعماء دول الاتحاد الأوروبي في عام 2018، يجب إزالة كل المحفزات التي تشجع المهاجرين على ركوب المخاطر والسفر إلى أوروبا بشكل غير قانوني. وأكبر محفز هو عيش كريم في اليونان أو في أي بلد أوروبي آخر. من جانب آخر، لم تفلح دول الاتحاد الأوروبي في توحيد سياسة اللجوء بينها، رغم المناقشات المتكررة للموضوع في قمم الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن وجود موقف تضامني مع الدول الواقعة على حدوده كاليونان وإيطاليا بشأن توزيع اللاجئين بشكل عادل، وهو أمر يقلل من الأمل في أن يتغير شيء ما في تلك الدول التي تعاني من ضخامة عدد الوافدين إليها. وما يحتاجه الجميع في هذه الظروف هي سياسة هجرة ولجوء مستديمة
Laisser un commentaire