ظريف عن زيارته قمة مجموعة السبعة : الطريق أمامنا صعب. لكن يستحق المحاولة
في خطوة دبلوماسية مثيرة وصفها البيت الأبيض بالمفاجئة، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مقر انعقاد قمة مجموعة السبع لإجراء محادثات على هامش القمة التي استضافتها فرنسا في منتجع بياريتس بجنوب غرب البلاد، بينما كثفت باريس جهودها لتخفيف حدة التوتر بين طهران وواشنطن. والتقى ظريف ماكرون ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان وممثلين عن ألمانيا وبريطانيا، الدولتين الأوروبيتين المشاركتين في الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة. ورغم فشل قمة مجموعة السبع في التوصل إلى مقترحات واضحة بشأن التعامل مع الملف الإيراني على طريق تخفيف حدة التوتر بين طهران وواشنطن من جانب، وتأمين طريق الملاحة الدولية في مضيق هرمز وخليج عمان من جانب آخر، إلا أن القمة، على ما يبدو لحد الآن، قد خلقت أرضية خصبة لجولة من المفاوضات الدبلوماسية تقودها فرنسا بدعم كامل من ألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى مع إيران، لا تشارك فيها واشنطن بكل تأكيد، إلا أنها ليست بعيدة عن أجوائها وتفاصيلها. ورغم الحديث عن « الزيارة المفاجئة » لظريف لمقر القمة، إلا أنها لم تكن مفاجئة بالمفهوم الحرفي للمصطلح، فهي كانت مخططة أساساً من قبل قصر الإليزيه مسبقاً، وربما بالتفاهم حتى مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في حال توفرت ظروف نضوجها. والظروف تبدو قد نضجت بعد لقاء مأدبة الغداء بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وضيفه الأمريكي دونالد ترامب، حيث تطرق الرئيسان إلى جملة من الأمور الشائكة، بينها ملف إيران. وتقول مصادر الوفد الفرنسي إن الرئيسين توصلا إلى قناعات مشتركة بشأن الخطوات القادمة إزاء الملف النووي الإيراني والمقاطعة الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران، بما في ذلك تخفيف حدة سياسة « أقصى الضغوط » التي يمارسها البيت الأبيض ضد النظام الإيراني. إلا أن الجانب الأمريكي كان متناقضاً تماماً في التعامل مع نتائج مأدبة الغداء غير الرسمية أمام الرأي العام. فالبيت الأبيض أعلن السبت الماضي أن ترامب تفاجأ بزيارة ظريف لمقر القمة. فيما كتب ترامب على حسابه في « تويتر » أن ماكرون أبلغه بمجيء ظريف وهو لم يرفض ذلك. وعندما سئل ترامب عما إذا شكلت دعوة ظريف للحضور في مقر القمة نوعاً من « قلة الاحترام » الدبلوماسي، أجاب ترامب بكل وضوح بـ »لا لا لا »، ما يشير إلى علمه بالزيارة. إذن، دعوة ظريف من جانب فرنسا جاءت بعد أن باتت المحادثات بشأن ملف إيران بين أطراف مجموعة السبع واعدة أكثر من المتوقع، حسب قناعة المضيف الفرنسي. ظريف لم يكن ضيفاً على القمة ولم تتم دعوته لحضور القمة ولم تكن له أي علاقة بالقمة، حسب الإعلان الرسمي. ولما لم تكن الزيارة مخططاً لها بشكل رسمي من قبل الجانب الفرنسي، حسب بيان قصر الإليزيه، لم يتم ابلاغ الدول المشاركة بالزيارة في وقت مبكر، كما هي العادة، لكن الإبلاغ تم بأسرع وقت ممكن لحدث غير مخطط. من جانبها، علمت المستشارة الألمانية ميركل، وهي مدافعة قوية عن الاتفاق النووي مع إيران، بالزيارة قبل فترة وجيزة من وصول ظريف. لكنها ورغم ذلك قالت: « أشعر أنه تم إعلامي بشكل جيد ». وتحدثت ميركل عن الزيارة بالقول: « إنه حدث مواز في نفس المكان ». وتابعت بأن اللقاء لم يكن مدرجاً على جدول أعمال القمة، مشيرة إلى أنها لم تلتقي ظريف، فيما أعلنت أن الوفد الألماني على علم بشكل وثيق بكل المحادثات التي أجراها ظريف. نتائج لقاء ظريف مع الوفد الفرنسي، خصوصاً مع نظيره الفرنسي لودريان، تبقى ضمن أسرار التحركات الدبلوماسية إلى حين. لكن يمكن قراءة بعض التفاصيل ما بين السطور في الإعلان الرسمي لمضيف القمة، فقد أعلن ماكرون بأنه لم يحصل على تفويض شكلي (رسمي) من القمة بشأن خطوات لاحقة مع إيران. ولكن ماذا عن النتائج غير الرسمية للقمة؟ وهل وافقت القمة على مقترحات ماكرون بشأن إيران وإن بشكل غير رسمي؟ عن ذلك ذكّر قصر الإليزيه باللقاء الثنائي بين الرئيسين ماكرون وترامب على مأدبة غداء استمرت ساعتين تناولا خلالها ملفات عديدة كان الملف الإيراني أبرزها. وعلى ضوء ذلك التقارب بين الجانبين، وجهت الإشارة إلى ظريف للحضور إلى مكان القمة. ومهما اختلفت التصورات حول لقاء ظريف مع الفرنسيين على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، فإن ماكرون قد حقق نصراً دبلوماسياً كبيراً له شخصيا وللموقف الفرنسي عموماً، والذي يحظى بدعم ألماني. ويبدو أن الجانب الفرنسي قد مهد الأرضية أو وفر قاعدة مرضية لتحركات قادمة بشأن أزمة إيران مع الولايات المتحدة، حسب قناعة خبراء قصر الإليزيه. ومن بين المقترحات الفرنسية التي تم تداولها بشكل غير رسمي في قمة مجموعة السبع مقترح يتحدث عن فترة « استراحة » في التعامل مع إيران يمكن خلالها لطهران بيع كمية محددة من النفط بشكل رسمي وخارج إطار المقاطعة الأمريكية. وبعبارة أوضح: السماح لطهران ببيع النفط بكميات محددة وبموافقة أمريكية، على أن يتم خلال هذه الفترة بلورة مقترحات للمرحلة القادمة. ومقترح « الاستراحة » يدخل في صلب الاستراتيجية التي ينتهجها قصر الإليزيه منذ أشهر في التعامل مع إيران، حيث يأمل الجانب الفرنسي مقابل ذلك أن تلتزم طهران بكل بنود الاتفاق النووي والتراجع عن إعلان طهران لتخفيف التزاماتها فيما يخص تخصيب اليورانيوم وكمياته وما إلى ذلك. من جانبه، كتب ظريف على « تويتر »: « الطريق أمامنا صعب. لكن يستحق المحاولة ». وقال إنه بالإضافة إلى الاجتماع مع القادة الفرنسيين، قدم إفادة مشتركة لمسؤولين من ألمانيا وبريطانيا. وسعى مسؤولون فرنسيون إلى وصف الاجتماع بالمهم من أجل « تنقيح الاقتراحات الإيرانية » للمساعدة في نزع فتيل الأزمة بعد أن ناقش قادة مجموعة السبع الملف الإيراني خلال مأدبة عشاء مساء السبت. وقال مسؤول فرنسي بعد الاجتماع: « المناقشات التي عقدت بين الرئيس وظريف كانت إيجابية وستستمر ». وامتنع عن الرد على أسئلة تفصيلية. بيد أن هذا المقترح العملي الفرنسي الذي يبدو قد نال توافقاً عاماً بشكل غير رسمي من قبل مجموعة السبع، إلا أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الرئيس ترامب قد غير رايه أو على وشك تغيير رأيه فيما يخص التعامل مع إيران، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتخفيف العقوبات النفطية على طهران، كما يتمنى ذلك ماكرون. وقال دبلوماسي أوروبي مطلع على المناقشات إن القادة فشلوا في إقناع ترامب على العشاء. رسمياً حافظ ترامب على نهجه الضاغط على إيران بأقصى درجة، حيث لم يرد تعليق من ترامب بشأن إيران، لكنه بدا وكأنه يتجاهل جهود الوساطة الفرنسية مع إيران، إذ قال إنه رغم سعادته بمساعي ماكرون لتهدئة التوتر مع طهران، فإنه سيواصل مبادراته الخاصة. من جانبه، قال مسؤول إيراني بارز: « ظريف سينقل رد القيادة الإيرانية على اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستهدف الحفاظ على الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015 ». وفي تأكيد لصعوبة تخفيف التوتر، قال مسؤولان إيرانيان ودبلوماسي يوم الأحد تعليقاً على زيارة ظريف إن إيران تريد تصدير 700 ألف برميل يومياً من النفط على الأقل كبداية وما يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً فيما بعد إذا أراد الغرب أن يتفاوض مع طهران لإنقاذ الاتفاق النووي. لكن إيران ترفض التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، كما تتمنى باريس. من جهته، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني دعمه للجهود الدبلوماسية في حل النزاع مع الولايات المتحدة. وقال روحاني الاثنين: « إذا اتضح لي أن بإمكاني حل مشكلات الإيرانيين بلقاء، فإنني سأفعل ذلك بالتأكيد »، مضيفاً أن مقاومة القوى العظمى فقط لن تحقق شيئاً، مؤكداً على ضرورة أن تبحث الحكومة في الوقت نفسه عن حلول لكافة المشكلات. وأضاف: « من بين ذلك الدبلوماسية أيضاً، طالما أن هذا يخدم المصالح القومية ». ويبقى السؤال عما إذا كانت البراغماتية الفرنسية والبراغماتية الإيرانية متمثلة بالرئيس الإصلاحي روحاني ستنجحان في حلحلة واحدة من أخطر الازمات التي يمر بها الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على الإطلاق
Laisser un commentaire