حرب العملات : العالم يزحف بقوة صوب أزمة مالية عالمية جديدة
مع انتكاسة المباحثات التجاريَّة بين الولايات المتحدة والصين التي أشعلها الرئيس الأميركي بالرسوم الجمركيَّة، بدأت تلوح في الأفق حربُ عملات، ربما ستكون تداعياتها أكثر تأثيراً في الأسواق العالميَّة. فهناك مخاوف حقيقية من تحوّل الصراع التجاري إلى حرب في سوق الصرف والعملات، إذ يُطلق هذا المصطلح على التدابير التي تلجأ إليها البنوك في تخفيض سعر صرف العملة عن عمد للاستفادة من تنافسيّة سعر الصرف المنخفض، مقارنةً مع الشركاء التجاريين. وعندما تتسابق البنوك المركزية في اعتماد هذه التدابير في خفض سعر الصرف بصورة جماعيَّة، عندها تنتج هذه الحالة من الحرب التجارية التي تستهدف سعر صرف العملة، إذ برز هذا المصطلح في العام 2010، وأطلقه وزير المالية البرازيلي عندما قال إن بلاده « تواجه انعكاسات حرب للعملات ». وبعد الأزمة العالمية اعتمدت الاقتصادات الكبرى مجتمعةً سياسة « التيسير النقدي وخفض أسعار الفائدة بما يقرب من الصفر »، وانعكس ذلك على العملة البرازيلية التي ارتفع سعر صرفها. ولاحظ وزير المالية البرازيلي في هذا الوقت، أن صادرات بلاده تفقد تنافسيتها جراء التخفيض المتعمد لسعر صرف الدول الكبرى. ومؤخراً، عاد القلق بشأن حرب العملات بعد ما خفّضت الصين قيمة اليوان إلى مستوى الـ7 يوانات مقابل كل دولار، وهذا ما ظلّ الرئيس الأميركي يشتكي منه مراراً من أن « الصين وأوروبا تتعمدان إضعاف سعر الصرف ». فيما يضغط الرئيس الأميركي على الاحتياطي الفيدرالي ليعتمد سياسة « إضعاف الدولار »، لتبدأ جولة أخرى من حرب العملات في الوقت الحالي، خصوصاً بعدما أعلن « المركزي الأميركي » أول خفض لأسعار الفائدة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. فيما يتوقّع أن يتجه البنك المركزي الأوروبي اتجاه « المركزي الأميركي » نفسه، ويعلن خفض وشيك لأسعار الفائدة. كما خفّض كل من المصرف المركزي في الهند وسنغافورة وتايلاند ونيوزلندا وأستراليا معدلات أسعار الفائدة خلال الفترة الماضية. وهذه التحرّكات بالتأكيد سيكون لها انعكاسات على الأصول، وربما تتسبب في فقاعة بأسعار الأصول المرتفعة. وينظر المحللون إلى ما تشهده أسواق العملات في الوقت الحالي على أنه في إطار « التسخين » لحرب أكبر في سوق العملات، خصوصاً مع استمرار الرئيس الأميركي في لفت انتباه العالم إلى أن تحرّكات الصين وأوروبا تأتي في إطار حرب عملات، ولذلك يصر « ترمب » على أن يدفع البنك المركزي الأميركي إلى خفض قيمة الدولار « القوي »، أسوةً بالصين حتى يمكن دعم الصادرات والسلع الأميركية في السوق المحلية.فما تشهده الساحة العالميَّة في الوقت الحالي يمهّد بالفعل لأن طبول حرب العملات بدأت تدق بالفعل، خصوصاً مع إصرار الرئيس الأميركي على تسميتها، وهذه تعد المرة الأولى التي تواجه الصين اتهامات بأنها تتلاعب في سعر اليوان لدعم صادراتها في الوقت الذي تتراجع فيه حركة التجارة العالميّة بشكل كبير ». أن « الأجواء الحاليَّة غير مواتية بالمرة لأي أزمات، واقتصادات العالم لم تعد قادرةً على تحمل مزيدٍ من الصدمات، خصوصاً مع اشتعال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وامتدت هذه الحرب إلى دول أخرى، ولا يوجد ما يشير في الوقت الحالي إلى أن الحرب التجارية سوف تتوقف على المدى القريب ». و هذه الحرب سوف تهدد النظام المالي العالمي، وسوف تضعف من تحرّكات الدول والحكومات لاحتواء آثار تداعيات تباطؤ النمو العالمي أن حرب العملات تأتي في ظل توقعات سلبية تشير إلى أن العالم يتحرك بقوة نحو أزمة مالية عالمية جديدة، وحتى الآن يوجد كثيرٌ من المعطيات، التي تؤكد أننا نزحف إليها بقوة، وبالتالي لا بديل من التعامل بحذر سواء من قبل الولايات المتحدة أو الصين أو أوروبا حتى لا ننزلق إلى أزمة مالية عالمية سوف تضرب جميع الاقتصادات سواء الكبرى أو النامية. وربما ما شهدته الأسواق العالمية من موجة خسائر عنيفة خلال الفترة الماضية أعقبت الحديث عن حرب في سوق العملات، أكبر دليل على أنه لا يوجد ما يدعو إلى الاطمئنان، إذ انخفضت عملات الأسواق الناشئة، وانخفضت أسواق الأسهم العالميَّة والعربية بنسبة 3% تقريباً، وارتفع الذهب كملاذ آمن، وانخفض عائد سندات الخزانة ذات الأجل 10 سنوات إلى 1.74%. ووفقاً لوكالة « بلومبيرغ »، لم تتوقف الخسائر الناجمة عن قرار الصين بخفض سعر اليوان مقابل الدولار الأميركي على هذا الجانب فقط، بل وصلت إلى الأفراد أيضاً، إذ خسر أغنى 20 شخصاً على مؤشر أغنياء العالم نحو 2.1% من ثروتهم، وهو ما يعادل 117 مليار دولار، وذلك بعد أن تراجع مؤشر « داو جونز الصناعي » الذي يضم أكبر 30 شركة، بأكثر من 2% عقب تطبيق القرار، ومن المتوقع أن تكلَّف الحرب التجارية الشاملة الاقتصاد العالمي نحو 1.2 تريليون دولار وفق التقارير الدوليَّة. وأثار التصعيد الصيني غضب الرئيس الأميركي، الذي وصف قيام الصين بخفض قيمة عملتها بأنه « انتهاكٌ كبيرٌ »، وقال إن هذه الخطوة « ستضعف بكين إلى حد كبير مع مرور الوقت »، واتهمها بشكل رسمي للمرة الأولى منذ عام 1994 بأنها تتلاعب بالعملة، في إشارة إلى قانون أميركي يفرض عقوبات على الدول التي تخفض عملتها للحصول على مزايا تنافسية غير عادلة. وسارعت الصين لتنفي قيامها بالتلاعب في سوق العملات، وبررت انخفاض اليوان بأنه تأثر بالسلوك الأحادي والإجراءات الحمائية التجارية وزيادة الرسوم الجمركية على الصين، وشدد المركزي الصيني على أن « بلاده لم ولن تستخدم سعر الصرف كأداة للتعامل مع النزاعات التجارية ». ولا تُعد هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الصين عملتها كإحدى أهم أدواتها في حربها التجارية، فقد سبق أن قامت الصين بتخفيض قيمة اليوان عدة مرات، كان آخرها خلال العام 2015، إذ خفّض البنك المركزي الصيني قيمة اليوان إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات مقابل الدولار الأميركي. وتواجه الإدارة الأميركية عجزاً تجارياً ضخماً بلغ وفق وزارة الخزانة الأميركية نحو 621 مليار دولار خلال العام الماضي، فيما بلغ العجز التجاري الأميركي مع الصين نحو 419.2 مليار دولار. وترجع الإدارة الأميركية ارتفاع هذا العجز إلى خفض الدول المصدرة للسوق الأميركية من قيمة عملتها المحلية، وفي مقدمتها الصين، وهو ما يضيف ميزةً تجاريةً لسلعها، وبالتالي يتدهور العجز التجاري الأميركي. في السياق نفسه، فإن المستهلك الصيني سيكون الخاسر الأكبر، إذ إن « اليوان » الضعيف يرفع أسعار الاستيراد، ويحد من مستويات المعيشة، في حين أن واردات السلع على وجه الخصوص ستضعف. ونظراً إلى أن أسعارها مقومة بالدولار، فإن ارتفاع أسعار السلع سيضغط على تكاليف المدخلات، ويضعف هوامش الشركات، ويُبطئ الإنفاق الحكومي. كما يمثّل ضعف اليوان خطراً على ديون الشركات الصينية غير الماليَّة والصادرة بالدولار الأميركي، التي تقارب 850 مليار دولار. أيضاً فإن البنوك الصينية سبق أن أصدرت ديوناً بقيمة 670 مليار دولار تسببت في ارتفاع أعباء البنوك بأكثر من 11%، وهو ما قد يتسبب في ارتفاع معدلات التعثر والتخلف عن السداد. وفي تحليل حديث نشرته صحيفة « فاينانشال تايمز »، فإن المخاوف الأكثر تحديداً في الأسواق هي أن الإدارة الأميركية ربما تتدخل بشكل مباشر لإضعاف الدولار الأميركي، وفي حين أن اليورو والين والإسترليني كلها أهداف محتملة، فإن المجال الأكبر لعدم الاستقرار المالي العالمي سيرتبط بالصين والولايات المتحدة. ةما يزيد من الأزمة هو اتجاه الصين إلى استخدام سلاح سندات الخزانة الأميركية في حربها سواء التجارية أو في سوق العملات، إذ تمتلك الصين أكثر من تريليون دولار في السندات الأميركية، ولجوء بكين إلى استخدامها سلاحاً في الحرب سوف يكون بمثابة القنبلة التي انفجرت في محطة وقود،، أن « الأجواء الحالية والتوترات التي يشهدها العالم سواء فيما يتعلق بالتوترات السياسية أو الجيوسياسية أو الأزمات التي تشهدها أسواق العملات، إضافة إلى تباطؤ النمو العالمي، كل هذه المؤشرات تؤكد أن العالم يزحف بقوة صوب أزمة مالية عالمية جديدة ». فالصين بدأت بالفعل خلال الأشهر الثلاثة الماضية خفض حيازتها من سندات الخزانة الأميركية، ما يشير إلى أن بكين لجأت إلى حرب العملات للهروب من الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي خلال العام الماضي ». ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، خفّضت الصين من حيازتها السندات الأميركية بنحو 20.7 مليار دولار لتسجل 1.1 تريليون دولار. لكن الصين لا تزال تمتلك أكبر حيازة للديون الأميركية على الرغم من تراجعها بنحو 81 مليار دولار منذ يونيو (حزيران) من العام الماضي، لكن على المدى الطويل، فإن حصة ملكية الصين في الديون الأميركية المصدرة انخفضت من أعلى مستوى على الإطلاق خلال العام 2011 عند مستوى 14% إلى 7% في الوقت الحالي. وبخلاف الأزمات التي تواجهها عملات الأسواق الناشئة منذ بداية العام الماضي، التي تتصدرها الليرة التركية التي فقدت ما يقرب من 40% من قيمتها، التي ربما تشير إلى أن أي تحرك نحو حرب في سوق العملات سيكون له تداعيات عنيفة، فقد شهد البيزو الأرجنتيني خلال الأيام هبوطاً حاداً، بعدما تمخضت الانتخابات التمهيدية عن نتيجة صادمة يوم الأحد الماضي، حيث أنزل مرشح يسار الوسط ألبرتو فرنانديز الهزيمة بماكري المنتمي إلى يمين الوسط، فيما اُعتبر على نطاق واسع استفتاء على مساعي الحكومة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وإجراءات التقشف المشروطة لتقديم القرض. وفي ضربة جديدة للأرجنتين، خفضت وكالات التصنيف « فيتش » و »ستاندرد آند بورز »، تصنيفهما للدين السيادي الأرجنتيني، ما أثار شبح تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها مع اقتراب انتخابات أكتوبر (تشرين الأول)
Laisser un commentaire