الأرباح والخسائر في بلياردو المحاور العربية والإقليمية
فيصل جلول – الميادين – تشبه لعبة المحاور في العالم العربي لعبة ال » بلياردو » الفرنسي المؤلّف من 3 طابات فقط . حمراء وبيضاء « وبيج » فاتح اللون مدموغاً بدائرة زهرية مُجوّفة. وتنصُّ قاعدة هذه اللعبة على أن يُطلِق اللاعب – طابته لإصابة الطابتين البيضاء والحمراء معاً، فإن أصاب يُسجِّل نقطة وإن أخطأ ينتقل اللعب إلى الآخرين. هذا في القاعدة السهلة والمباشره للّعبة التي تتدرّج منها ألعاب أصعب فأصعب من قبيل أن تسجيل النقطة يقتضي إصابة الطابة الأولى ، ثم إرتطام الطابة المقذوفة بحّافة ال »بلياردو » لإصابة الطابة الثانية. وتتدرّج الصعوبة إلى إصابة حافّتين قبل، فثلاث فأربع ومن ثم حافّة المُستطيل الصغيرة فقط.. إلخ تماماً كما هي الحال مع لعبة المحاور في أرض العرب. لا بدّ من نظرةٍ خاطفةٍ لرَسْم حدود اللعبة في هذا ال » بلياردو » العربي والإقليمي إن جاز التعبير. المحور الأول يتّصل بالتيارات المُنضوية في جبهات المقاومة للاحتلال الصهيوني ولمراكز نفوذه داخل وخارج العالم العربي، ويضمّ إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية واليمنية والعراقية والمُتعاطفين مع المقاومة في مناطق مختلفة من العالم العربي. تمكَّن هذا المحور من الفوز بالحرب الدولية على سوريا. وضعَ حداً فاصلاً للتفوّق الصهيوني في لبنان وفلسطين. يعمل على إعادة رسم موازين القوى في المنطقة إنطلاقاً من تراجع وضعف الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل. إن القرار الإستراتيجي الذي اتّخذته واشنطن بالإنسحاب من سوريا وبالتراجع العسكري في الشرق الأوسط عموماً، هو نبأ سعيدٌ لهذا التيار الذي ما انفكّ يُقاوِم تل أبيب ويُمانِع أميركا منذ عقودٍ طويلةٍ. يستفيد هذا التيار من شراكةٍ جزئيةٍ مع روسيا الإتحادية ، ويستفيد أيضاً من السياسة الإنتقائية الصينية وربما من التنافُس التركي السعودي على زعامة المسلمين. المحور الثاني تُمثّله تركيا وقطر ويضمّ « الإخوان المسلمين » وبعض وجوه اليسار العربي التي لعبت أدواراً معينة خلال الحرب الباردة. ويسعى هذا التيار إلى مواكبة الصعود الأردوغاني في المنطقة ، وحماية مراكز نفوذه في الدوحة، وفي ما يُسمّى ببلدان الربيع العربي. كانت استراتيجية هذا التيار مبنية على حل الصراع العربي الإسرائيلي عبر هدنة طويلة مع الدولة العبرية يغطّيها « الإخوان المسلمون » وتمتد إلى نصف قرن أو أكثر، لكن تل أبيب لم تردْ على هذا العرض وطلبت من المحور أن يكون شريكاً في صفقة القرن وأن يضغط باتجاه تخلّي الفلسطينيين عن حق العودة والقدس ومباركة الإستيطان في الضفة الغربية. يحتفظ هذا المحور بعلاقاتٍ بهلوانيةٍ مع الولايات المتحدة، ازدادت اضطراباً مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، فهو يُطلق « عنتريات » في لحظةٍ معينةٍ ثم يدعو إلى الحوار مع أعداء بلاده في اليوم التالي. ويحتفظ المحور أيضاً بعلاقاتٍ مع روسيا الاتحادية لكنها لا تصل إلى مستوى علاقات موسكو مع المُمانعين. وله علاقات جيّدة مع الصين، لكنها ليست من النوع الذي يصعب الإستغناء عنه. ويستفيد من التراجع الأميركي على خطين. الأول يكمن في عودة تركيا للعب دور إقليمي كبير في الشرق الأوسط ، والثاني حماية قطر من المخاطر التي تتعرّض لها من المجموعة الرُباعية بزعامة المملكة العربية السعودية التي صمّمت على تطويع جارتها القطرية مرة واحدة وإلى الأبد من دون نجاحٍ كبيرٍ حتى الآن. ويعاني هذا المحور من فشله في الحرب على سوريا ، لكنه ما زال قادراً على لعب دورٍ مهمٍ في ليبيا. وتظلّ نقطة ضعفه الأبرز في محدوديّة تمثيله العربي وفي الحَذَر الشامل من عودة الطغيان العثماني الذي حَرَم العالم العربي من كل تمثيل سياسي خلال قرون أربعة. أما المحور الثالث والأخير فهو يضمّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين. يسعى هذا المحور إلى الحصول على دعمٍ إسرائيلي بشروطه من دون نجاحٍ كبيرٍ حتى الآن كما يسعى إلى مُجابهة إيران في العالم العربي. يستفيد من الشراكة الخليجية الأميركية الطويلة والمُجرَّبة ، لكنه يعاني في الوقت نفسه من التراجع الأميركي في المنطقة ويحتفظ بعلاقاتٍ جيّدةٍ مع الإتحاد الروسي الذي يوفّر له تغطية دبلوماسية وإعلامية في حرب اليمن ويساعده في المُصالحة مع سوريا. يستفيد المحور من علاقاتٍ اقتصاديةٍ جيّدةٍ مع الصين. ويُقدّم نفسه بوصفه الآمِر الناهي في العالم العربي ولا سيما في الجامعة العربية ومؤسّساتها. يتلقّى دعماً مُشتركاً من الروس والأميركيين في مجال التسلّح. يعاني هذا المحور من تراجع الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط ، ومن الآثار السلبية لحرب اليمن ولقضية الصحافي جمال الخاشقجي ، ومن فشلٍ ذريعٍ في الحرب اليمنية وفي تطويع قطر، لكن فشله الأكبر ناجِمٌ عن حربيّ اليمن وسوريا. يسعى هذا المحور تحت الضغط الأميركي إلى إنشاء كيانٍ حربي شبيه « بالكيان الأطلسي » ، لكنه لم يتمكّن بعد من تسويق تصوّرٍ مُلائمٍ ومُجدٍ لهذا الكيان الذي سيستند بالضرورة إلى القوّة الإقليمية الإسرائيلية الأمر الذي يتطلّب تطبيعاً وتغطية لصفقة القرن وهو ما ليس مؤكّداً بعد. الواضح أن المحور السعودي الإماراتي يتحرّك في إطارٍ دفاعي ولملء الفراغ الذي سينجم عن الإنسحاب الأميركي في الشرق الأوسط، لكن مشكلته العويصة تكمن في العلاقات مع الدولة الصهيونية وفي التراجع غير المسبوق في قوّة الردع الإسرائيلية. سياسة المحور الدفاعية استدعت وتستدعي وقف الإندفاع التركي في الشمال السوري وتحقيق تسوية يمنية مُشرّفة. في الحال الأولى لا غنى لهذا المحور عن اللاعب الروسي الذي يمكن أن يجمع الطرفين حول نقطة لقاء سوريّة خليجية تقضي بإخراج الأتراك من الشمال السوري والمساهمة في إعادة إعمار سوريا بشروطٍ مناسبةٍ للسوريين. ومن غير المُستبعَد أن يلعب هذا المحور مع السوريين والإسرائيليين معاً ضد الأتراك ، لكنه سيكون مضطراً لأن يكفّ عن التعاطي مع إيران بوصفها عدو السعودية الأول في الشرق الأوسط. يمكننا القول من دون مُخاطرة كبيرة إن محور المقاومة هو الوحيد الذي يسجّل إصابات مُحقّقة في « بلياردو » المحاور في العالم العربي. فهو بصَدَد الفوز في الحرب السورية وقد تمكّن حتى الآن من ردع إسرائيل في غزّة وفي جنوب لبنان ، ويقاوم بنجاحٍ في اليمن واستطاع عبر إيران وروسيا أن يُحجِّم المخاطر التركية ولديه فرصة كبيرة في الإنخرط مُجدّداً في المعادلة الرسمية العربية. في لعبة المحاور كما في لعبة ال » البلياردو » تكون فُرصَك أفضل بحسب موقعك في محيطك ومواقع الآخرين لذا كانت سوريا حجر الزاوية في هذا المحور. سقوطها يعني سقوطه وانتصارها هو انتصاره ولعلّ السؤال المطروح الآن ليس عن انتصار هذا المحور وإنما عن حجم الانتصار وحدوده
Laisser un commentaire