رواية توثيقية في ذكرى عودة الامام الخميني الى طهران
ا – ف – ب – طهران – الأول من شباط/فبراير 1979 (ا ف ب)- الخميس الأول من شباط/فبراير 1979 يوم تاريخي بالنسبة الى الشعب الايراني: فقد عاد الامام آية الله الخميني أخيرا الى وطنه بعد أكثر من 14 عاما أمضاها في المنفى، وفي ختام رحلة استغرقت خمس ساعات ونصف ساعة على متن طائرة إير فرانس التي أطلق عليها الإيرانيون اسم « طائرة العودة الى الوطن ». وتتسع طائرة البوينغ 747 ل349 راكبا، لكنها لم تقل سوى 200 راكب تاركة في باريس عددا كبيرا من الراغبين بالانضمام الى هذه الرحلة الفريدة. أما السبب فهو، بحسب ما أوضح مسؤول في مطار رواسي- شارل ديغول قبل الإقلاع، ملء خزانات الوقود بشكل كامل تماما، لتتمكن الطائرة من العودة في حال « حصل سوء ما » ولم تتمكن من الهبوط في طهران. وكان طاقم الطائرة لهذه الرحلة الاستثنائية من المتطوعين: قبطان الطائرة ومساعده و11 مضيفا وأربع مضيفات قالت إحداهن « متطوعون لكن من دون أي علاوة مخاطر إضافية ». وكان الامام أول من صعد سلالم الطائرة بخطى ثابتة رغم سنواته ال76، مرتديا عباءة سوداء. وجلس على المقعد رقم 1 في الصف الأول من مقاعد الدرجة الأولى. وخلال الساعة الأولى من الرحلة، كان الخميني، محاطا بنحو أربعين من الأنصار، قليل الكلام غارقا في أفكاره، وهو مدرك أن أنظار شعب بكامله تتطلع اليه. وبعد ساعة، انتقل مع ابنه وحدهما الى الطابق العلوي من الطائرة حيث استلقى على أريكة قبالة بار الطائرة وغفا. وبينما كانت الطائرة تحلق فوق البوسفور في تركيا، عقد صادق قطب زاده مؤتمرا صحافيا في الطائرة. كان قطب زاده عائدا الى ايران بعد 20 عاما من المنفى، وقدّم على أنه سيكون وزيرا في « الحكومة الثورية ». وقال في مؤتمره الصحافي « قبل الرحلة جمعنا آية الله، نحن المقربين منه، وقال لناهذه الرحلة محفوفة بمخاطر لا أقلل من أهميتها: قد يتم اغتيالي، أو أسري، أو وضعي في الإقامة الجبرية. أنا قررت مواجهة هذه التحديات، لكنني أتفهم تماما الذين يرفضون مواجهتها وقد يختارون عدم القيام بالرحلة. ليتحمل كل شخص مسؤولياته ». وردا على أسئلة الصحافيين حول عدم وجود نساء وأطفال في الطائرة، قال قطب زاده ببساطة ومن دون أن يرفّ له جفن، مثيرا الرعب في نفوس الصحافيين، « هذه الطائرة في خطر أكبر بكثير مما تتصورون. قد يطلقون النار علينا… ». بعدها، أعلن قطب زاده « أن حكومة ثورية ستعلن خلال يومين أو ثلاثة ». وكرر القول إن الامام الخميني يرفض أي حوار مع رئيس الحكومة شهبور بختيار « طالما لم يقدم الأخير استقالته ». وأكد بعد ذلك أنه يجري حاليا توزيع السلاح على السكان في كلّ أنحاء البلاد. وأضاف « أن أمر استخدامه لم يعط بعد، لكن هذه الساعة تقترب »، قبل أن يضيف « بالطبع أسلحتنا أقل قوة بكثير من أسلحة الجنود الذين لا يتوقون لشيء أكثر من القضاء علينا، إلا أننا نتسلح بالإيمان وسننتصر وعن احتمال حصول اعتداء يستهدف مرشد الثورة، قال قطب زاده « في حال مُسّت شعرة واحدة منه ستسيل دماء وقبل نحو ساعتين من الوصول الى مطار مهراباد، أفاق الخميني من قيلولته وطلب من إحدى المضيفات كوبا من الماء، ثم قال لها « أكون شاكرا لك لو تدليني على اتجاه الكعبة ». بعد لحظات، كان يؤدي صلاته. بعد نصف ساعة، ظهرت الجبال الإيرانية المغطاة بالثلوج من نوافذ الطائرة مع ساعات الفجر الاولى. أنهى الخميني صلاته وجلس خلف النافذة ينظر من بعيد الى أرض وطنه التي لم تعد تبعد سوى دقائق.وللمرة الأولى منذ استقل الطائرة، ظهر طيف ابتسامة على محياه وهو المعروف عادة بجديته، استنادا الى كل الصور التي تناقلتها وسائل الاعلام خلال الأشهر القليلة الماضية احتشد ملايين وملايين الإيرانيين على مسافة 32 كيلومترا في الأول من شباط/فبراير لاستقبال آية الله الخميني العائد من المنفى، واختفت سيارته على مدى ساعات وسط مد بشري يتدافع حوله. بالكاد خرج من مطار طهران حيث هبطت طائرته عند الساعة 9,00 بالتوقيت المحلي، احتشد ملايين الأشخاص حول الإمام الخميني الذي بدت عليه علامات التأثر لكنه ظل متماسكا وهادئا. استقل الإمام الخميني الذي ارتدى ثوبا أسود وعمامة سوداء سيارة تبعها موكب من الحافلات الصغيرة التي كانت تقل صحافيين قدموا من العالم بأسره. وكان يفترض بخمسة آلاف متطوع أن يعملوا على احتواء الحشود. لفّوا أذرعهم بشارات خضراء، وأطلقوا على أنفسهم اسم « الشرطيين الإسلاميين ». وأوكلت إليهم الحكومة مسؤولية ضمان أمن آية الله الخميني. لكن هذا الجهاز لم يتمكن من ضبط المستقبلين، ففي غضون ثوان قليلة، اختفت سيارة الخميني وسط الحشود الكثيفة التي كانت تعرقل مرور عشرات سيارات الإسعاف المحملة بأشخاص فقدوا وعيهم بسبب الضغط الكثيف للجماهير التي تجمعت على مدّ النظر في كل جادات طهران. كم كان عددهم؟ خمسة ملايين أو حتى ستة ملايين… يتعذر القول. وهو أمر غير مسبوق في مطلق الأحوال. عند مدخل العاصمة أعيدت تسمية النصب التذكاري الكبير للشاه، رمز إيران الحديثة، ساحة الامام الخميني. أين أصبحت سيارة الامام الآن؟ لا نعلم. لقد اختفى في مكان ما وسط هذا المد البشري وهذا الضجيج، وسط هذه الموجة التي ارتفعت وسطها مئات آلاف الصور لقائد « الثورة الإسلامية ». حضرت كل النساء وقد ارتدين التشادور وحملن زهرة حمراء. منذ الفجر وهن يرددن « الخميني قائدنا ». وارتفعت لافتات كتب عليها « الخميني، أهلا بك في بلادك »، وردد الرجال « الله أكبر كان رجال الدين يرشون ماء الزهر على المحتشدين. في العاصمة حيث كانت الشمس ساطعة فيما الثلج يعلو الجبال المحيطة بها، كان يتردد هتاف واحد « الخميني، الخميني ». وخلت العاصمة بالكامل من العسكريين. في بعض الأحيان، عمدت الحشود التي التقت أخيرا « مرشدها » بعد منفى استمر 14 عاما وثلاثة أشهر، الى رفع السيارة التي كانت تقل الخميني وحملها على مدى بضعة أمتار. وردد أكثر المتحمسين « عودتكم تعني إعلان الجمهورية الإسلامية ». وقال رجل دين اعتمر عمامة بيضاء « من كان ليصدّق قبل ستة أشهر فقط أن الخميني سيعود الى إيران وسيرحب به اليوم ملايين المسلمين؟ ». وبدا كل فرد مدركا بالفعل لمعنى عودة الامام الخميني بعدما اتخذ رحيل الشاه تحديدا طابع المنفى. حين هبطت طائرة البوينغ 747 التي كانت تقل الخميني في طهران، صمت الجميع. ونزل آية الله الخميني سلّم الطائرة وسط الصمت. عاد الى بلاده ليرى عاصمتها وقد تغيرت كثيرا في فترة غيابه وعلتها الأبراج الحديثة. بعد دقائق، وجه آية الله الخميني نداء الى الوحدة قائلا « إن النضال لم ينته. رحيل الشاه ليس سوى الشقّ الأوّل من الطريق الواجب اتباعه ». ثم ندد آية الله الخميني بشدة بعدوه قائلا « الشاه دمّر كل شيء، ثقافتنا وجامعتنا والاقتصاد والزراعة. سنهدم النظام الذي أقامه ». وبدت كل إيران وكأنها على موعد مع آية الله الخميني الخميس. من المطار الى « مقبرة شهداء الثورة الإسلامية » في طهران، الموقع الرمزي لحركة الاحتجاج الدينية التي قامت ضد الشاه، حيث كان في انتظاره حشد كبير، أدرك آية الله خامنئي أن شعبا بكامله يتبعه وينتظر منه أن « يرشده الى الطريق الواجب سلوكه ». وفيما الملكية لا تزال قائمة، كان كل شخص يتساءل ما ستكون عليه عمليا، هذه الطريق الإسلامية
.
Laisser un commentaire