المطران عطالله حنا : الصهيونية والمسيحية لا يلتقيان
المطران عطالله حنا — لا بد لي أن أوضح أولا وقبل كل شيء بأننا في قاموسنا الكنسي واللاهوتي لا نعترف بشيء اسمه المسيحية الصهيونية ، فهذا المسمى تطلقه على نفسها جماعة متواجدة في أمريكا وهم يتبنون تفسيرات مغلوطة للكتاب المقدس وخاصة للعهد القديم . هؤلاء يطلقون على أنفسهم ” المسيحيون الصهاينة ” أو ” الإنجيليون الصهاينة ” ونحن بدورنا لا نتبنى ولا نعترف بهذه التسمية لأن هنالك تناقضا كبيرا بين المسيحية التي هي ديانة المحبة والرحمة والسلام والصهيونية التي كانت سببا أساسيا من أسباب ما حل بشعبنا الفلسطيني من نكبات ونكسات . إن المسيحية والصهيونية لا يلتقيان، لأن المسيحية تنادي بنصرة المظلومين والمتألمين والمعذبين والمضطهدين في هذا العالم، بينما الصهيونية كانت سببا أساسيا من أسباب التطهير العرقي الذي حل بفلسطين الأرض المقدسة، ولذلك فإننا نتحفظ على هذه التسمية التي لا نعترف بها ونعتبرها مسيئة للقيم والمبادىء المسيحية السامية . لقد أعلنا في وثيقة الكايروس الفلسطينية بأننا نرفض التفسيرات الخاطئة للكتاب المقدس التي تتبناها هذه الجماعات الموجودة في أمريكا وفي غيرها من الأماكن ، فهؤلاء يؤيدون إسرائيل بشكل كلي ويتجاهلون حقيقة أن نكبة الشعب الفلسطيني تمت بوعد من بلفور وليس بوعد من الله ، فلا يجوز على الإطلاق أن ننسب لله ما ليس فيه ، فالله لا يحلل الظلم والتشريد والقتل واقتلاع الأبرياء من قراهم وبلداتهم . إن هذه الجماعات الموجودة في أمريكا ينتمي إليها الرئيس الأمريكي ونائبه، كما أن هذه الجماعات لها نفوذ كبير في أمريكا لأنها تملك المال والكثير من الوسائل التي تجعلها قادرة على فرض ما تريد . ولذلك فإنني أود أن أتوجه أولا إلى الكنائس المسيحية الموجودة في أمريكا الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية البعيدة عن هذا الفكر اللاهوتي المنحرف وأطالبهم وأناشدهم بضرورة أن يتصدوا لهذا الفكر الذي يتخذ من المسيحية شعارا له، ولكن من حيث المضمون هم أبعد ما يكونون عن المسيحية . إننا نطالب كنائسنا في أمريكا بأن تتصدى لما يسمى الفكر المسيحي الصهيوني المسيء للعقيدة المسيحية وللقيم والأخلاق الإنسانية النبيلة . والتصدي يجب أن يكون من خلال المنشورات والكتب التي تفند ادعاءات هذه المجموعات وكذلك عقد مؤتمرات فكرية لاهوتية لمواجهة هذه الظاهرة التي نعتبرها مسيئة للمسيحية . قبل عدة سنوات عقد مؤتمر هام في مدينة القدس برعاية مركز السبيل حول ظاهرة ما يسمى بالمسيحية الصهيونية وكانت هنالك دراسات وأوراق بحثية قدمها لاهوتيون من مختلف أرجاء العالم جمعت كلها في كتاب ترجم بعدها إلى اللغة العربية ويحتوي هذا الكتاب على كافة المحاضرات والدراسات والأوراق التي قدمت في هذا المؤتمر الهام حيث تم الإعلان عن رفض ادعاءات هذه الجماعات التي تدعي المسيحية زورا وبهتانا . إن المسيحيين في فلسطين كما في مشرقنا العربي يشعرون بأن هذه الجماعات إنما تسيء اليهم بشكل مباشر لأنها تبرر الاحتلال وسياسته كما أنها تحلل ما حرمه الله، وهي امتهان الكرامة الإنسانية والحرية وحقوق الإنسان. المسيحيون الفلسطينيون يرفضون رفضا قاطعا ما تدعيه هذه الجماعات، وهؤلاء عندما يزورون مدينة القدس وعندما يأتون إلى فلسطين يذهبون للتضامن مع المستوطنات ومع المستوطنين ومع المتطرفين المستعمرين لبلادنا وهم لا يلتقون مع المسيحيين الفلسطينيين . هؤلاء لا يفكرون بالحضور المسيحي في فلسطين ولا يفكرون بالحضور المسيحي في المنطقة العربية ولكن همهم الأساسي هو دعم إسرائيل وتبرير سياساتها وقمعها وممارساتها بحق شعبنا . لقد أعلنت الكثير من الكنائس المسيحية في بلادنا وفي منطقتنا عن رفضها لما تقوم به هذه الجماعات المتصهينة التي تدعي المسيحية زورا وبهتانا، ونحن في فلسطين إذ نعرب عن رفضنا للتفسيرات المغلوطة التي يتبناها هؤلاء حول الكتاب المقدس وخاصة العهد القديم فإننا نؤكد انتماءنا لهذه الأرض ونؤكد بأن الكنيسة المسيحية الأولى التي بزغ نورها من هذه الأرض المقدسة إنما ترفض ما تقوم به هذه الجماعات وما تنادي به، ونعتبر ما يسمى بالمسيحية الصهيونية هرطقة كبرى تستهدف المسيحية وهويتها ومبادئها ورسالتها وحضورها العريق في هذه المنطقة وفي فلسطين بنوع خاص . عندما يتضامن هؤلاء مع الاحتلال ويتجاهلون الظلم الواقع على شعبنا ويتجاهلون أن هنالك مسيحيين فلسطينيين يعانون كباقي أبناء شعبنا الفلسطيني، وأن ما يقومون به يتناقض والقيم والمبادىء المسيحية السامية . عودوا إلى الإنجيل المقدس، فالسيد المسيح عندما كان ينتقل من مكان إلى مكان في هذه الأرض المقدسة لم يذهب إلى الجبابرة والزعماء والأغنياء ، ولا إلى الظالمين متجاهلا المتألمين والمظلومين والحزانى ، فقد كانت مواقفه دوما معبرة عن انحيازه للفقراء والحزانى والثكالى والمرضى والمأسورين والمهمشين ، كان نصيرا لكل إنسان مظلوم في هذا العالم ، ومن أراد أن يكون مسيحيا حقا عليه ان يتعلم من السيد المسيح كيف يجب ان تكون الإنسانية وكيف يجب ان يكون انحيازنا دوما للمظلومين وليس للظالمين . إن هذه الجماعات المتصهينة الموجودة في أمريكا وفي غيرها من الأماكن إنما هي منحازة بشكل كلي الى الظالمين على حساب المظلومين، وخطاب نائب الرئيس الأمريكي في زيارته الأخيرة لمدينة القدس كان خطابا استفزازيا بشكل كلي، فإنه تجاهل وجود المسيحيين الفلسطينيين وتجاهل وجود مسيحيين ومسلمين فلسطينيين ينتمون الى شعب واحد ويسعون للعيش بحرية وسلام في وطنهم وفي أرضهم المقدسة . لقد استفزني خطاب الرئيس الأمريكي لدى إعلانه عن القدس عاصمة لإسرائيل، وقد أتى هذا الإعلان في موسم عيد الميلاد وكانت شجرة الميلاد منصوبة في القاعة التي فيها اطلق الرئيس الأمريكي خطابه المشؤوم حيث تجاهل رسالة الميلاد ورسالة صاحب العيد، أعني السيد المسيح الذي أتى إلى هذا العالم لكي يعلم البشرية القيم الإنسانية، ولكي يزرع في قلوبنا المحبة والرأفة والحنان ولكي يدعونا جميعا لكي نكون منحازين لكل إنسان مظلوم في هذا العالم . أقول من رحاب مدينة القدس بأن التضامن مع الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانبه في محنته هو واجب على كل إنسان مسيحي ، من كان مسيحيا حقا كان مدافعا عن شعبنا وكان مدافعا عن فلسطين والقدس وكان منحازا لقضايا العدالة والحرية في عالمنا . ان القضية الفلسطينية هي قضية مسيحية لأنها مرتبطة بأرض تباركت وتقدست بحضور السيد المسيح ونحن في هذه الأيام التي ابتدأنا فيها مسيرة الصوم التي توصلنا إلى القيامة نؤكد بأن أرضنا ستبقى أرضا مقدسة ومدينتنا القدس ستبقى مدينة مباركة عاصمة للسلام والمحبة والأخوة ، عاصمة لفلسطين ولشعبها . نؤكد في موسم الصوم الأربعيني المقدس تشبثنا بوطننا وتعلقنا بقدسنا ومقدساتنا ورفضنا وتنديدنا لأي محاولات هادفة لتشويه نضال شعبنا وكفاحه من أجل الحرية . ندائي أوجهه إلى الكنائس المسيحية في عالمنا كافة بأن ترفع صوتها دفاعا عن القدس وعن فلسطين الأرض المقدسة ، عندما يدافع مسيحيو عالمنا عن القدس وفلسطين فهم يدافعون عن جذور إيمانهم وعن مقدساتهم ويدافعون عن أرض مقدسة غُيّب عنها العدل والسلام، وهي تتوق إلى أن يعود إليها سلامها المغيب وان تتحقق فيها العدالة لكي ينعم شعبنا الفلسطيني بالحرية التي يستحقها ويناضل في سبيلها
Laisser un commentaire