كاد لبنان أن يكون ساحة فتنة مسيحيّة-شيعيّة منتظرة ومخطَّطة من الخارج
بقلم جورج عبيد – موقع التيار الوطني الحر – حين تمّ استدعاء رئيس حكومة لبنان سعد الحريري إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وأجبر بفوقية لا متناهية على تقديم استقالته، خشي اللبنانيون من فتنة خطيرة تنفجر في لبنان بسربال مذهبيّ عبثيّ. توحّد اللبنانيون رزمة واحدة برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعملوا على استعادة الرئيس الحريري، وقد كان لجبران باسيل بحراكه الأوروبيّ-الروسيّ الدور الكبير في ضمان إطلاق الحريري، فتغلبت الوحدة على الفتنة بالحكمة الجامعة ما بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه برّي وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.
انقضت تلك المرحلة الصاخبة بإجهاض فتنة مذهبيّة تمّ التحضير لها بعناية فائقة، وكان السعي من خلالها تفجير لبنان وتفجير المدى المشرقيّ باسره معه، بعنوان واضح لبنان من الاستقرار إلى الانفجار، فيما قرار رئيس الجمهورية قيادة لبنان من الاستقرار إلى الازدهار.
خلال شهر كانون الأوّل، وقبل الميلاد ببضعة أيام قليلة، فاجأ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب العالم بقرار فوقيّ وآحاديّ، وهو نقل السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس، تماهيًا مع سعي إسرائيليّ يقوده بنيامين تننياهو بجعل القدس عاصمة إسرائيل الأبديّة وعاصمة لليهود، وقد نزع عن تلك المدينة المقدسة صفة كونيّة وإلهيّة تخصّ الأديان التوحيديّة الثلاثة. في هذه الحمأة سطعت كلمة وقّادة ووهّاجة ومعبّرة ألقاها وزير خارجية لبنان جبران باسيل انتقد فيها السلوك العربيّ المنقسم بنيويًّا وعموديًّا تجاه هذه المسألة، موصّفًا بأنّ تمزّقهم المذهبيّ حينًا والقوميّ (عرب وفرس) حينًا آخر والطائفيّ في مجالات كثيرة، وصولاً إلى إسقاط بلد وليس نظامًا، ساهم بحدود كبيرة بهذا القرار من باب استغلال هذا الانقسام والتمزّق. واعتبرت الكلمة بأنّها تمثّل العرب، كلّ العرب، استتبعت بكلمة لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في القمّة الإسلامية في اسطنبول وقد عبرت بدورها عن الوجدان العربيّ باسره، وأثبت لبنان من جديد ريادته المشرقيّة والعربيّة في الدفاع عن قضايا العرب وجوهرها القضيّة الفلسطينيّة وحقّ الفلسطينيين في الوجود. في تلك الأثناء وخلال القمة الروحيّة المسيحيّة-الإسلاميّة في بكركي مداخلة لرئيس المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، قال فيها بأنّ ميشال عون يمثّل المسلمين ونبيه برّي وسعد الحريري يمثلان المسيحيين، مادحًا بدوره بكلمة جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة من دون أن ننسى موقفًا للرئيس نبيه برّي قال فيه، بأن الوزير جبران باسيل إبن أصل وبيت.
في هاتين المسألتين، تجلّى لبنان متماسكًا منيعًا بوجه فتنة تحضّر له، ويشاء المخططون لها، زجّه من جديد في أتّونها المستعر، لكونه يقع في وسط صفيحة ملتهبة من القدس إلى عفرين والعراق. وفي زمن التحضير للانتخابات النيابيّة، وفي موقع لبنان في وسط تلك الصفيحة الملتهبة، أتت مسألة مرسوم ترقية ضباط دورة عون لسنة 1994، لتزجّ لبنان في لحظة فاقعة وقاتلة وعبثيّة من جديد، اتشحت بوشاح طائفيّ ضمن نقاش دستوريّ-سياسيّ صاخب وانحداريّ أنذر بمسافته ومساحته الناريّة بإمكانيّة تفجير لبنان من جديد بفتنة تكتسي حلّة مسيحيّة-شيعيّة، فيما كان الهدف الجليّ من قضيّة استدعاء الرئيس الحريري إلى السعوديّة تفجير لبنان بفتنة سنيّة-شيعيّة ترادفها فتنة مسيحيّة-مسيحيّة.
تقول المعلومات ووفقًا لمطّلعين بارزين، بأنّ السعيّ إلى الفتنة لا يزال حثيثَا ودؤوبًا وكثيفًا من خلال حراك مكوكيّ تقوده دول واضحة المعالم والأهداف. ووفقًا لهؤلاء المطلعين، لقد لمس المخططون والعاملون بل العامدون على إحراق لبنان بمجموعة فتن بأنّه كان عصيًّا على فتنة مذهبيّة بين الشيعة والسنّة، فتولّد السعي عندهم وبقوّة لجلبه باتجاه فتنة مسيحيّة-شيعيّة تحت عنوان مرسوم دورة عون، بهدف ثلاثيّ الأبعاد
إضعاف موقع الرئاسة بكسر هيبة الرئيس فيسهل بذا، سلب لبنان من واقع الاستقرار المتجه نحو الازدهار، سيّما وقد دخل نادي الدول المصدّرة للنفط، إلى الانفجار. وهذا الأمر هو الأخطر في كلّ تلك الاتجاهات وقد أمست الطرق معبّدة لبلوغها، ويوم أمس بالذات كاد البلوغ نحوها يسيرًا
إضعاف موقع التيار الوطنيّ الحرّ، مع محاولة تصوير رئيسه جبران باسيل بالطائفيّ والمذهبيّ وربما « العميل »، فيما ظهر الرجل كوزير خارجية لبنان داعية وحدة ومصالحة بين العرب من أجل مواجهة القرار الأميركيّ، وداعية لترسيخ الفلسفة الميثاقيّة في لبنان، وتعميمها كحل استراتيجيّ لدول المشرق العربيّ، تبشر بعقد متين بين المكونات التكوينيّة بجوهرها الشركويّ أو التشاركيّ، وداعية خطاب وطنيّ يعني كلّ اللبنانيين تتجسّد فيه قيم المواطنة إنطلاقًا من التأكيد على المناصفة الكاملة المنصوص عنها في المادتين 24 و95 من الدستور وهي السبيل في نصّ المادة 95 تحديدًا لإلغاء الطائفيّة السياسيّة في لبنان، فيما بعضهم استغلّ قضيّة المرسوم لتعميم منطق المثالثة بدلاً من المناصفة.
ضرب التحالف الاستراتيجيّ الكبير والمجيد، بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله، وتظهر الوقائع المتداول بها، بأن ضرب التحالف هدف استراتيجيّ كبير عند السعوديين بالدرجة الأولى، وعند بعض القوى في الداخل. ذلك أن هذا التحالف بمنطلقاته ومندرجاته الميثاقيّة، ساهم إلى حدّ بعيد خلال حرب إسرائيل على لبنان في تموز من سنة 1996 إلى مقاومة وطنيّة، وساهمت، تاليًا، بانتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة، وزكّت مسيحيًّا ومن خلال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مفهومين ظهرا في خطاب القسم وهما مفهوم القتال الاستباقيّ والمعبّر عنه بقتال حزب الله القوى التكفيريّة في سوريا وعلى الحدود حيث نجح بتطهير الحدود من الإرهابيين ومنعهم من الانسياب إلى الداخل، فمثل تلك الفتنة تضعف موقع المقاومة بالتحديد في سوريا وفي قتالها القوى التكفيريّة إلى جانب الجيش السوريّ، ومفهوم السلاح الردعيّ وقد أظهر فعاليته في مقاومة إسرائيل على الحدود مع فلسطين المحتلّة
لقد بدا جبران باسيل بهذا التسريب وسيلة لتحقيق هذا الهدف. إنه الصيد الثمين، لتوطيد فتنة بين المسيحيين والشيعة، كبديل عن فتنة بين السنة والشيعة، وإضعاف واقع لبنان مع محاولة إضعاف موقع الرئاسة وتهشيم التيار الوطنيّ الحرّ وتهديم أسس التحالف الاستراتيجيّ المتين بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله. الصبيّة التي سرّبت حديث جبران، وظفت لهذا الهدف بالتسلسل الظاهر من خلال طريقة التسريب. لقد تمّ النفخ في جمر الفتنة لتتحوّل نارًا وبركانًا. وقد خدم التسريب بالظاهر والباطن الدول العامدة على توطيد الفتنة وحرق لبنان وحرفه عن مسار الازدهار وإبطال الانتخابات، وهي المستاءة من مواقف رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الصارمة حول الأزمة السورية، وأزمة النازحين، وأزمة القدس. وتقول بعض المعلومات بأنّ حزب الله على وجه التحديد على علم بتلك المحاولات الدنيئة والشنيعة
وفي بعض الوقائع المتصلة بما حدث، لقد تمّ الاتفاق منذ أقلّ من أسبوع على حالة تهدويّة بين التيار الوطنيّ الحرّ ممثّلاً بالحاج وفيق صفا ورئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، تمهيدًا لوساطة يقودها حزب الله بين التيار الوطنيّ الحر وحركة أمل، يتمّ فيها نزع فتيل الأزمة بصورة تجريديّة ومجرّدة. اتفق الطرفان على هذا الهدف… إلى أن تمّ تسريب هذا الكلام. وعلى الرغم من وطأته، وعلى الرغم من أنه ناجم عن احتقان بسبب ممارسات حاول أربابها إفشال مؤتمر الطاقة الاغترابية في أبيدجيان إسقاطًا للجدل الصاخب على خلفيّة المرسوم، فقد أثبتت الممارسات في الشارع ذلك التناقض البليغ بين رؤية غير طائفيّة يكتنزها رئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي، وممارسات طائفيّة مشحونة تشاء إحراق لبنان مندرجة بأهداف عالية. وتسأل مصادر من التيار الوطنيّ الحرّ الرئيس برّي، هل لمست يا دولة الرئيس حراكًا شعبيًّا في الشارع من قبل التيار الوطنيّ الحرّ اتجه نحو مراكز حركة أمل مستهدفًا لها؟ ماذا شئت أن تقول بسماحك لأتباعك باقتحام مبنى مركزية التيار في سن الفيل واستهدافه؟ وقد قلت في حديث لك قديم: « بأن ثمة فرق فرقًا بين الطائفة والطائفيين، أن تستعمل طائفتك في سبيل وطنك فهذا وطنيّ وان تستعمل طائفتك في سبيل وطنك فهذا طائفيّ وقد حاولت الطائفية القضاء على لبنان أكثر من مرّة… وقد وصل لبنان إلى القبور لينتفض كطائر الفينيق يعيش من جديد، وجود الطوائف في لبنان نعمة والطائفيّة نقمة، فليس من عائلة في لبنان مقتصرة على طائفة واحدة
في هذا السياق، لا بدّ من القول: حذار من الانزلاق نحو فتنة مسيحيّة-شيعيّة بديلة عن فتنة سنيّة-شيعيّة، الفتن الطائفية بغيضة، إشعالها سهل، أما إطفاؤها صعب، سيّما إذا كانت ثمّة دول تتربّص بلبنان شرًّا، وفي الختام لبنان محكوم بالتوافق والتماسك على قاعدة الشراكة المطلقة بين مكوناته، بلا عزل ولا انعزال بل بانفتاح الجميع على الجميع بلغة هادئة ورصينة ورهيفة تبطل العنف في أحيائنا وبينها وتوطّد روح السلام في لبنان تمهيدًا لاستكمال التحوّل من الاستقرار إلى الازدهار بدلاً من الانفجار
Laisser un commentaire