أزمة الأحزاب الفرنسية
خلصت أغلب التحاليل اليوم وبعد بوح الدور الأول للانتخابات الرئاسية الفرنسية بنتاجه إلى أن الدرس الأساسي يتمثل في انهيار المؤسسات الحزبية التقليدية المتمثلة في الحزب الاشتراكي وفي حزب الجمهوريين. إذ لأول مرة تشهد المنافسة الانتخابية الرئاسية غياب مواجهة بين الحزبين العريقين واللذين تراجعا بشكل كبير أمام مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان والمرشح « العصامي » إيمانويل ماكرون. ويذهب البعض أبعد من ذلك استنادا إلى ما آلت إليه الانتخابات الأمريكية من صعود دونالد ترامب من خارج حزب الجمهوريين. إذ اعتبر صعوده مؤشرا من ناحية على نهاية الاختلافات التقليدية بين يمين ويسار أو بين محافظ ولبرالي ثم من ناحية ثانية مؤشرا على نهاية هيمنة المؤسسة الحزبية على العمل السياسي وعلى المشهد السياسي عموما. غير أن العودة إلى حيثيات تدحرج الحزبين العريقين في فرنسا تجعلنا نقف على أن ما حصل يعود لأحداث عارضة وليس إلى توجهات مجتمعية هيكلية على المدى الطويل. ففي حالة حزب الجمهوريين، لا يجب أن ننسى بأن مرشحهم فرانسوا فيون كان يتصدر استطلاعات الرأي وكان تقريبا في طريق مفتوح نحو الرئاسة إلى حدود بداية شهر يناير عندما انفجرت قضية تشغيل زوجته وأبنائه بشكل وهمي كمساعدين له وهو نائب برلماني. عندها بدأت تبتعد عنه نوايا التصويت بشكل أقلق حتى قيادات حزبه التي طالبته بالانسحاب من السباق. غير أن تعنت فيون زاد من الطين بلة من خلال زيادة الانقسام داخل الحزب ونفور جزء من القواعد. فلولا كشف الفضيحة ولولا تعنت المرشح فيون لكان للانتخابات ربما وجهة مغايرة. أما بالنسبة للحزب الاشتراكي فيبدو أنه دفع غاليا ثمن الانشقاق الذي حصل بين نوابه والذي كان من بين أكبر المحركين له المرشح بنوا هامون. فهذا الانشقاق سهل على اليمن المعارض استهداف سياسة فرانسوا هولاند والاشتراكيين عموما كما ساهم في نفور الناخبين عن الحزب. لذلك حملت عديد القيادات الاشتراكية بنوا هامون ومن معه مسؤولية تراجع شعبية الحزب الاشتراكي. فتوجهت عديد الوجوه القيادية لمناصرة إيمانويل ماكرون. وقد زاد من حماسة هؤلاء الخوف من أن تستفيد مرشحة اليمين المتطرف من تراجع شعبية فرونسوا فيون ليتم بذلك ضرب الحزب من الداخل من طرف كوادره. في ظل هذه الأحداث، من الطبيعي أن نفهم صعود نجم مرشحين من خارج المنظومة الحزبية العريقة مثل جون لوك ميلونشون وإيمانويل ماكرون. لكن ذلك لا يعني نهاية المنظومة الحزبية بل فقط إعادة تشكلها.
عادل اللطيفي — مونتي كارلو
Laisser un commentaire