الصور النمطية للعربي والمسلم في سينما الغرب
تمثل السينما أحد أهم الوسائط الثقافية وتتجاوز أدوارها صناعة الفرجة والترفيه إلى توجيه الوعي وإعادة صياغة تمثلات الجمهور بأدوات ثقافية ناعمة، حسب المجالات التي تغطيها الإنتاجات الفنية. فالقطاع الفني لا تنفصل وظيفته عن إرادة مؤسسات الإنتاج العالمية، ومن ثم الدول التي تملك إمكانيات متقدمة، مما جعل السينما أداة من الأدوات التي تخدم أهدافها الثقافية والسياسية، الداخلية في علاقة بالقضايا الاجتماعية والثقافية ونمط القيم الذي ينبغي أن يتشكل عليه الوعي المجتمعي، أو على مستوى عالمي في تصدير قيم معينة، أو صورا نمطية تحمل أحيانا الكثير من التعميم، حول الأنماط الثقافية لعدد من الشعوب والمجتمعات والكيانات الحضارية، ومن تلك الشعوب طبيعة حضور المجتمعات العربية والإسلامية في عدد من الأعمال السينمائية. تختزل كثير من الشعوب في تفكيرها الجمعي صوراً نمطية لغيرها من المجتمعات الأخرى في شكل أمثال شعبية وقصص تراثية تساعدها في فهم الآخر والتعامل معه، وقد لا يخلو مجتمع من المجتمعات أو شعب من الشعوب إلا وله تصور نمطي للآخر وكثيراً ما تحمل هذه الصورة النمطية معانٍ إيجابية أو سلبية اعتماداً على طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تربط شعباً ما بآخر، وتطور هذه العلاقات عبر حقب زمنية مختلفة. إلا أن هذه الصور النمطية قد تأخذ منحىً خطيراً إذا كانت صنيعة مؤسسات إعلامية، حكومية كانت أو خاصة، تدفع بها لتحقيق وتسويق سياسات خارجية توسعية على حساب شعوب مغلوب على أمرها ومستهدفة. هل يمكن أن تزول تلك الصورة التي تترسخ عن دولة عربية أو المجتمعات العربية باعتبارها فضاء للعنف والإرهاب ونشاط التنظيمات الإجرامية على مستوى عالمي، حيث يتداخل العنف والسياسة والمال؟
الصورة السلبية للعربي والمسلم
هذه الصورة السلبية للعربي والمسلم في السينما العالمية، باعتباره كائنا تحمل جيناته نوازع السلوك العنيف، وللمجتمعات العربية باعتبارها بدائية ومتخلفة وغير آمنة، هي صورة ممتدة منذ الأفلام الأولى التي أنتجت بداية القرن الماضي، وزورت في هذا السياق حقائق التاريخ في أفلام عالجت شخصيات أو أحداثا تاريخية مثل لورانس العرب وغيره. وقد عادت هذه الصورة السلبية بشكل أكبر في العقدين الأخيرين، مع بروز نجم الجماعات المقاتلة العابرة للحدود، من أفغانستان إلى العراق، ثم في سوريا، في سياق إفشال الثورة المضادة للربيع العربي، وبالنظر إلى حجم الزخم الذي حظي به الإرهاب في السياسية العالمية وفي النظام الدولي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، فإن تصدير صورة العنف أو التخلف عن المجتمعات العربية أضحت مادة رئيسية، وهي لا تتصل فقط بتغذية تطلعات الجمهور في المتابعة والإثارة، وإنما تحمل، بقصد، تمثلات خاطئة عن المجتمعات العربية، ومن ثم المظهر الذي ينبغي أن يبدو به الإنسان المسلم ورموزه الثقافية، ليصبح مصدر خوف وقلق وعنصر تهديد لأسس الحضارة والاجتماع المدني المتحضر الذي شيده الإنسان الحديث وترعاه القوة الأميركية على مستوى عالمي. إنها عملية تزييف وتضليل مركبة، تتم بأدوات الإبداع الفني، وتمرر من خلال الفرجة والتسلية
أداة ناعمة للهيمنة
أن الأمريكيين ورثوا الصور النمطية للعرب والمسلمين من أسلافهم الأوروبيين وخاصة المستشرقين الفرنسيين والبريطانيين الذين قدموا العالم العربي والمجتمعات المسلمة للغرب تقديماً مشوهاً ساهم في تبرير الاستعمار الأوروبي والاستغلال الاقتصادي لهذه المجتمعات. و العلاقة الوثيقة التي تربط هوليود بالحكومة الأمريكية ومؤسساتها المختلفة في مدينة واشنطن دي سي، وهي علاقة بلا شك تتضح كثيراً عندما ترغب الحكومة الأمريكية في تعبئة الرأي العام الأمريكي حول قضية سياسية معينة مثل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. لقد ساعدت هوليوود ونجومها السينمائيين لعقود مديدة في تحقيق الكثير من السياسات الأمريكية الخارجية وخاصة في تعبئة الرأي العام وإشاعة الروح الوطنية لمساعدة الجيش الأمريكي في تجنيد الكثير من المواطنين لمثل هذه الحروب. أن مئات الملايين من الأطفال حول العالم شاهدوا فيلم الرسوم المتحركة علاء الدين، الذي أنتجته شركة ديزني واعتُبر حينها أحد الإنجازات السينمائية العريقة، وهو يعمّق الصورة البربرية الوحشية للمجتمع العربي بطريقة خفية من خلال الأغنية الافتتاحية للفيلم التي تقول بعض كلماتها أنهم، أي العرب، يقطعون آذانك إذا لم يعجبهم وجهك. تعد إشاعة الصورة النمطية للمنطقة العربية المرتبطة بالعنف جزءا من صورة أعم حول العالم العربي والإسلامي، تغيب فيها الجوانب المشرقة التي تميز المجتمعات العربية، كما لا تعالج المصدر الحقيقي لمعاناة الشرق، مما يعني أن التركيز على هذا الجانب لا يخضع لأهداف فنية وحسب، وإنما لرؤية مسبقة عن طبيعة الإنسان والمجتمعات العربية لدى شركات الإنتاج السينمائي التي تعد أداة ناعمة للهيمنة والتحكم في وعي الجمهور من جهة، وتخدم المنظور السياسي للقوى الماسكة بالسوق، بحيث يصعب الفصل بين السينما والسياسة، ومن ثم بين الثقافة والسياسة
تظهر خطورة السينما في زمن تهيمن فيه الصورة، في طبيعة التحيزات الكامنة في رسالة الأعمال التي يتم إنتاجها، وهي تحيزات قد تحقق الفرجة، لكنها تمارس اغتيالا على مستوى الوعي بخصوص الثقافات والمجتمعات والشعوب، وذلك بأدوات ناعمة تعمل على قلب حقائق التاريخ والبنى العميقة لثقافات الشعوب وخصائصها التي تميزها، لتكون سلاحا بيد من يمسك أدوات الإنتاج في هذا القطاع الذي أصبح اقتصادا قائما بذاته. حصل هذا مع أفلام الكاوبوي، حيث تحول الهنود الحمر ، أصحاب الأرض، إلى شعوب عنيفة لا تستحق التعاطف، بينما ينحاز الجمهور بكل متعة وبشكل لا واعٍ إلى استبطان موقف يبرر العنف الذي أدى إلى إبادة حضارة وثقافة بأكملها، ومثل هذا حصل في فلسطين، وفي الأعمال السينمائية التي عالجت التدخل الأميركي بالعراق، حيث تم تقديم الغزو باعتباره مسعى لتوطين الديمقراطية، وها هو يستمر الآن في إعادة صياغة السردية نفسها من خلال صورة نمطية كفيلة بإحداث تأثير يمتد لأجيال، في ظل غياب السينما العربية عن المنافسة عالميا، وهو ما يبدو أنه لن يتحقق قريبا. إن الصورة النمطية التي يتم تصديرها من خلال السينما عن العرب والمسلمين، لا يمكن تصحيحها إلا من خلال الوسائط الثقافية والفنية نفسها، لكن المقارنة بين مؤسسات الإنتاج العالمي ووضعية السينما والثقافة في عالمنا العربي، تبرز الوعي في السياق الأميركي والغربي عموما، بهذه الأدوار في خدمة الأهداف والمصالح الإستراتيجية للدول، ثم باعتبارها سوقا قائما بذاته، له عائدات مالية كبيرة، بالإضافة إلى حس الإبداع وتشجيع المجال الثقافي. بينما يرتبط عالم السينما والفنون في العالم العربي بطبيعة الوضعية السائدة، التي تتطلب تحولا نسقيا تمر به المجتمعات والدول، وضرورة الوعي بأهمية الأدوات الناعمة والثقافة والوسائط الثقافية، في أوجه الصراع المتعددة اليوم، بحيث يقدم العرب أنفسهم أعمالا سينمائية كبرى عن ذواتهم الحضارية والمجتمعية والقيمية، والدوافع الحقيقية للعنف والاضطراب، يخاطبون بها الآخر من خلال جوانب تتصل بالفرجة والفنون والذوق. ويقتضي تحقيق ذلك قدرا كبيرا من الحرية وأنساقا تحمل الوعي بالذات والمؤهلات في عالم اليوم، وما دام هذا غير متحقق كلية فإن أبسط المهام هو الكتابة النقدية عن طبيعة الزيف والتضليل الذي تحمله أعمال سينمائية تقدم صورة نمطية عن العرب والمسلمين. تقديم الصحراء العربية دوماً في مثل هذه الأفلام كمعالم طبيعية مخيفة تحمل الكثير من الغموض والإبهام، كما تعرض فيها الشخصية العربية كشخصية مهرجة ذات بعد واحد لغرض جلب ضحكات رخيصة من المشاهدين لهذه الأعمال السينمائية. ومن النادر جداً أن تجد أعمالاً سينمائية أمريكية تُصور الرجل العربي والمسلم والداً عطوفاً بأبنائه شفوقاً بأسرته مكافحاً من أجل سعادتهم كحال المئات من الملايين من الرجال في مشارق البلاد العربية والمسلمة وغربها. ومن المحزن جداً ألا يواجه العالم العربي والإسلامي هذه المؤسسة الإعلامية العملاقة هوليوود والتي يبلغ دخلها السنوي عشرات المليارات من الدولارات بأي سياسة إعلامية واضحة الاستراتيجيات والأهداف تُحسّن صورة الشخصية العربية والمسلمة في الغرب والعالم أجمع. ولا يكاد المرء يجد إلا قليلاً من الأعمال الفنية السينمائية التي تعد على أصابع اليد الواحدة، والتي أنتجتها دول مسلمة وعربية، وهي تتناول التاريخ والثقافة الإسلامية والعربية تناولاً علمياً وموضوعياً
Laisser un commentaire