مأساة مقتل الشاب نائل في فرنسا
رشاد العلي – باريس – أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية عن توقيف 667 شخصا, بعد احتجاجات عمت مدنا متفرقة في فرنسا, بسبب مقتل شاب برصاص شرطي خلال عملية تفتيش مرورية بنانتير .وكتب وزير الداخلية الفرنسي, جيرالد دارمانان, على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي « تويتر »: ليلة امس, ان عناصر الشرطة والإطفاء واجهت هذه الليلة احتجاجات كبيرة , مشيرا الى انه تم توقيف 667 شخصاوتحدثت الداخلية الفرنسية عن وضع معقد في ضاحية » نانتير »غربي العاصمة باريس حيث قتل الشاب من قبل الشرطي .وفي أعقاب توسع موجة الاحتجاجات في مدن كبرى, أعلن الرئيس الفرنسي اجتماعا طارئا جديدا للحكومة لبحث تداعيات هذه التطورات, مختصرا زيارته إلى العاصمة بروكسل, لحضور قمة أوروبية, ليعود إلى بلاده قبل انتهاء اجتماعات مقررة مع نظرائه.
وجه باسكال براش المدعي العام في » نانتير » تهمة القتل العمد للشرطي الذي أطلق الرصاص على الشاب البالغ 17 عاما, لافتا إلى أن النيابة تعتبر أن الشروط القانونية لاستخدام السلاح لم تتحقق وطلب احتجاز الشرطي.واثر ارتكاب هذه الجريمة, شهدت عدة مدن فرنسية مظاهرات تحولت إلى مواجهات مع قوات الشرطة ، من بينها نانتير و إيل دو فرانس، وفيلوربان ونانت وليون وتولوز، تنديدا بمقتل هذا الشاب وبعنف الشرطة. وُجهت تهمة القتل العمد إلى شرطي، ووُضع قيد التوقيف الاحتياطي بعد أن أردى بالرصاص الثلاثاء قرب باريس فتى في السابعة عشرة، أثار مقتله أعمال عنف مستمرة عبّرت السلطات عن خشيتها من اتساع رقعتها.وبحسب مذكرة استخبارية نقلها مصدر بالشرطة، فإن العنف يمكن أن يصبح « معمماً » خلال « الليالي المقبلة » ويتسم بـ »أعمال تستهدف الشرطة ورموز الدولة ».وخرجت مسيرة تكريماً لذكرى الفتى، أطلقت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع على مشاركين فيها. أعلن المدعي العام في نانتير باسكال براش أن الشرطي الدرّاج البالغ 38 عاماً سيمثل أمام قاضيي تحقيق لتوجيه لائحة اتهام له. ولفت إلى أن « النيابة تعتبر أن الشروط القانونية لاستخدام السلاح لم تتحقق »، وطلب احتجاز الشرطي، وهو خيار نادر في هذا النوع من القضايا.وفي وقت لاحق، قالت النيابة في بيان إن « الشرطي المشار إليه اليوم في إطار تحقيق قضائي حول جريمة قتل متعمدة وجهت إليه هذه التهمة ووضع قيد التوقيف الاحتياطي ». وقدّم الشرطي الاعتذار لعائلة الفتى نائل، وفق ما أفاد محاميه. وقال المحامي لوران-فرانك ليينار على قناة « بي إف إم تي في » الفرنسية « الكلمة الأولى التي نطق بها هي آسف، والكلمات الأخيرة التي قالها كانت لتقديم الاعتذار إلى العائلة ».وأضاف « أصيب موكلي بصدمة شديدة من عنف هذا الفيديو… الذي شاهده لأول مرة في أثناء احتجازه لدى الشرطة »، في إشارة إلى الصور التي تظهره وهو يطلق رصاصة تسببت في وفاة الشاب نائل. وتابع المحامي « إنه منهار، فهو لا يستيقظ في الصباح ليقتل الناس، لا يريد أن يَقتل ».
من ناحيتها، أعربت والدة الفتى نائل، عن اعتقادها أن الحادثة لها دوافع عنصرية. وقالت في أول مقابلة إعلامية معها منذ إطلاق النار « أنا لا ألوم الشرطة، أنا ألوم شخصاً واحداً؛ الشخص الذي قتل ابني ». وأضافت « لديّ أصدقاء شرطيون، إنهم يدعمونني تماماً… لا يتفقون مع ما حدث ». واعتبرت أن الشرطي البالغ 38 عاماً الذي وُجهت له تهمة القتل العمد، كان يمكن أن يلجأ إلى طرق أخرى للسيطرة على ابنها الذي كان يقود سيارة بلا رخصة. قالت الأم باكية « لم يكن مضطراً لقتل ابني، رصاصة؟ من هذه المسافة من صدره؟ لا، لا ». واعتبرت أن الشرطي « رأى وجهاً عربياً، طفلاً صغيراً، وأراد أن يقتله ». وتساءلت الأم التي قالت إنها تعمل في القطاع الطبي، « حتّام سيستمر هذا؟ كم عدد الأطفال الآخرين الذين سيقتلون على هذا النحو؟ كم من الأمهات سيجدن أنفسهن في مكاني؟ ».
وعقبت وزارة الخارجية الجزائرية، الخميس، ببيان أكدت فيه أن الحكومة الجزائرية لا زالت تتابع بـ »اهتمام بالغ » تطورات قضية وفاة الشاب نائل بشكل وحشي و مأساوي بفرنسا، موضحة أنها « علمت بصدمة واستياء بوفاة الشاب نائل بشكل وحشي و مأساوي والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت التي أحاطت بحادثة الوفاة » معربة عن خالص تعازيها لأسرة الفقيد التي « تؤكد لها أن الجميع في بلدنا يشاطرها حزنها وألمها ». وجاء في البيان أن « وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج على ثقة بأن الحكومة الفرنسية ستضطلع بواجبها في الحماية بشكل كامل من منطلق حرصها على الهدوء والأمن اللذين يجب أن يتمتع بهما مواطنونا في بلد الاستقبال الذي يقيمون به ». وأضافت: « الحكومة الجزائرية لا زالت تتابع باهتمام بالغ تطورات هذه القضية المأساوية، مع الحرص الدائم على الوقوف إلى جانب أفراد جاليتها الوطنية في أوقات الشدائد والمحن ».
ماذا نعرف عن نائل
وكان نائل طفلاً وحيدا لوالدته، وكان يعمل في توصيل طلبات البيتزا، إلى جانب ممارسة رياضة الرُغبي. وكان مشواره الدراسي تشوبه الفوضى بعض الشيء؛ وكان اسمه مدرجا ضمن قوائم كُلية في سوريسن غير بعيدة من محل إقامته، حيث كان سيتلقى تدريبا ليصبح فنّي كهرباء.ويقول الذين عرفوا نائل إنه كان محبوبا في نانتير، حيث عاش مع والدته مونيا، فيما لم يكن يعرف والده على الإطلاق فيما يبدو ولم تكد دقات الساعة تعلن تمام التاسعة صباحا حين لقي نائل مصرعه برصاص في صدره أُطلق عليه من مسافة قريبة بينما كان يقود سيارة مرسيدس في نقطة تفتيش مرورية. وتتساءل أمه قائلة: « ماذا أنا فاعلة الآن؟ لقد كرّست حياتي كلها له. لم أُرزق بغيره. ليس لديّ عشرة من الأبناء. لقد كان حياتي وصديقي المفضّل ». وقالت عنه جدّته لوالدته إنه كان « ولدا طيبا وعطوفا ». وقال زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور: « رفْض التوقف لا يعطيك رخصة لكي تقتل. كل أبناء الجمهورية لهم حق في العدالة ». وشارك نائل، على مدى السنوات الثلاث الماضية، في فريق « ذا بايريتس » لرياضة الرغبي في نادي نانتير. كما كان ضمن برنامج إدماج مخصص للمراهقين الذين يجدون صعوبات في التعليم. ويستهدف البرنامج، الذي تديره مؤسسة أوفال سيتوايا الخيرية، توجيه المراهقين في المناطق المحرومة لتلقّي تدريبات مهنية صناعية؛ وكان نائل يتعلّم لكي يصبح فني كهرباء. ويقول جيف بييش، رئيس مؤسسة أوفال سيتوايا، إن الصبي كان ذلك « الولد الذي يستخدم رياضة الرغبي كوسيلة لكسب العيش ». ويضيف لصحيفة لو باريزيان: « كان من النوع الذي لا تنقصه الرغبة في الاندماج اجتماعيا ومهنيا، ولم يكن من ذلك النوع الذي تستهويه المخدرات أو جرائم الأحداث ». وأثنى جيف بييش على طبيعة نائل كمراهق، قائل إنها بعيدة كل البُعد عن تلك الصورة المشوهة المرسومة له عبر منصات التواصل الاجتماعي. ولم يتم إغفال معلومة أن عائلة نائل تنحدر عن أصول جزائرية.
مسجد باريس
دعا مسجد باريس الكبير في فرنسا، الممول من الحكومة الجزائرية الغاضبين إلى إسماع أصواتهم عبر التعبئة السلمية، ودعا الشباب لعدم الرد بالعنف في أعقاب مقتل الشاب نائل برصاص شرطي فرنسي بمنطقة نانتير. وقال بيان المسجد الذي وقعه العميد شمس الدين حفيز، إن وفاة الفتى نائل المأساوية، التي حدثت في نانتير أثناء تفتيش الشرطة، تثير فينا مشاعر حية، موجها التعازي لعائلة الفقيد. وأوضح المسجد أنه إذا كان سوء الفهم والألم والغضب مشروعًا بعد هذه المأساة، فإنه يدعو الشباب على وجه الخصوص إلى عدم الرد بالعنف. وتابع البيان: إنه يدعوهم إلى إسماع أصواتهم عبر التعبئة السلمية حتى تُحترم ذكرى نائل وتتحقق العدالة. وأشار إلى أن أئمة الجامع الكبير في باريس وفيديرالياته سينقلون هذه الرسالة خلال خطبهم وشدد المسجد على أن دور المؤسسة الدينية ورجال الإيمان هو إظهار أن التهدئة هي السبيل الوحيد الممكن والبناء للوصول إلى الحقيقة والعدالة.
Laisser un commentaire