الطائرات المسيرة وقدرتها على تغيير موازين القوى
تتوزع مهمات « الدرونز » من العسكرية الاستكشافية إلى مهمات تسويقية وإنسانية ووقائية بل ترفيهية، ويشير مصطلح « طائرة من دون طيار » إلى الطائرة التي يجري التحكم فيها من بعد وأحياناً يكون التحكم ذاتياً وتتعدد أسماؤها ما بين « درونز » والطائرة المسيّرة والطائرة من دون طيار والزنانة، لكن الاسم الأكثر تداولاً هو « درونز »، وفقاً لمصدره باللغة الإنجليزية ، المأخوذ من اسم ذكر النحل، وبرز ذلك خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما ميزت هذه الطائرات بأشرطة سوداء وضعت على طول ذيل كل منها لتبدو كذكر النحل. جرى تطوير أول طائرة من دون طيار في كل من بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى،وجرى اختبار الطائرة البريطانية للمرة الأولى في مارس (آذار) عام 1917 وهي طائرة صغيرة يتحكم فيها عن طريق الراديو أما اختبار الطائرة الأميركية، فجاء في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1918، وعلى رغم أن كلتيهما أظهرت نتائج واعدة في اختبارات الطيران فإنهما لم تستخدما عملياً أثناء الحرب. وخلال عام 1935 صنع البريطانيون عدداً من الطائرات التي يتم التحكم فيها من بعد لاستخدامها كأهداف لأغراض التدريب. ونشرت طائرات الاستطلاع من دون طيار للمرة الأولى على نطاق واسع في حرب فيتنام كشراك خداعية في القتال ولإطلاق الصواريخ على أهداف ثابتة وإلقاء المنشورات للعمليات النفسية. وشهدت الأسواق العالمية تنامياً كبيراً على طلب المسيّرات، فحب الاستطلاع وأخذ الصور الجميلة، إضافة إلى الفضول والرغبة في الاستكشاف كانت أسباباً لانتشارها وازدهار صناعتها، فضلاً عن نموها في القطاع العسكري. عام 2016 نشرت الولايات المتحدة مقطع فيديو لأكثر من مئة مسيّرة فوق بحيرة في كاليفورنيا تظهر بنسق وترتيب وتنافس كأنها سرب من الطيور، مما اعتبر تحدياً كبيراً للذكاء الاصطناعي إذ تبادلت الطائرات في ما بينها المعلومات ووزعت الوظائف على بعضها وأدت المهمة بنجاح
خلال السنوات الأخيرة، شهد العالم نزاعات لعبت فيها المُسيَّرات أدوارا حاسمة، منها خمس معارك مهمة في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك في إقليم « ناغورني قره باغ » بين أذربيجان وأرمينيا، وأخيرا الحرب المتواصلة حاليا في أوكرانيا، التي ذاع فيها صيت الطائرات المُسيَّرة أكثر من أي صراع عسكري. فقد تحولت أوكرانيا إلى مختبر للمُسيَّرات لأكثر من دولة باتت تعتقد أن مفتاح الحرب الحديثة يكمُن في السيادة الجوية. ومع الاستخدام المُكثَّف والمتزايد للمُسيَّرات في الحرب الأوكرانية، وفي غيرها من النزاعات الإقليمية والدولية مؤخرا، وانضمام العديد من اللاعبين الجدد إلى إنتاج وتصنيع هذا النوع من الطائرات، واستثمار مليارات الدولارات في هذه الصناعة، يُتوقع أن تُصبح الحروب الجوية المسيرة أهم ظاهرة عسكرية في الجو لعقود طويلة قادمة.يُقسِّم حلف الناتو المُسيَّرات إلى ثلاث فئات وفقا لسرعتها ووزنها. ويبلغ وزن مُسيَّرات الفئة الأولى 150 كيلوغراما أو أقل، وهي طائرات صغيرة خفيفة الوزن وبطيئة الحركة، وتُستَخدم لمهام الاستطلاع أو المراقبة، وأحيانا ما تشارك في إيصال الذخائر. وتُعَدُّ المُسيَّرة الأميركية « پوما 3 إيه إي » إحدى أبرز طائرات تلك الفئة بوزن لا يتعدى سبعة كيلوغرامات، وزمن طيران يقترب من ثلاث ساعات. أما الفئة الثانية فيتراوح وزنها بين 150-600 كيلوغرام، ويمكن استخدامها في عمليات هجومية أو انتحارية محدودة، وهي تمتلك مُحرِّكا أسرع من الفئة الأولى، وزمن تحليق يصل إلى 24 ساعة، ومن أشهر طائرات ذلك الطراز المُسيَّرة التركية « بيراقدار « ، التي تتراوح تكلفتها بين 1-5 ملايين دولار. أما الطائرات التي تتجاوز حمولتها أكثر من 600 كيلوغرام فتندرج تحت الفئة الثالثة، وهي الأشد خطورة نظرا لطبيعة المهام الموكلة إليها، ومن أشهر الطائرات في ذلك الطراز المُسيَّرة الأميركية « إم كيو-1 پرِداتور » المُسيَّرة الأقدم التي طُرِحَت عام 1994، وتبلغ قيمتها حاليا نحو 40 مليون دولار، وكانت حاضرة في مسرح عمليات غزو العراق وأفغانستان.في أوكرانيا بالتحديد، لا تزال المُسيَّرات التركية والإيرانية تخوض حربها الضروس في واحدة من أشد المعارك احتداما في الجو، وللمفارقة فإن الحرب التي اتخذت من أوكرانيا، أكبر بلدان شرق أوروبا، مسرحا لها، وتجري فصولها بين روسيا، القوى العظمى السابقة، والجيش الأوكراني المدعوم بالسلاح الأميركي والأوروبي، ظهرت فيها بوضوح الأدوار التركية والإيرانية رغم أن طهران وأنقرة مجرد قوتين إقليميتين بلا حضور بارز في شرق أوروبا أو في سوق السلاح التقليدية.
ويُنبئنا ذلك ليس فقط بأن طبيعة الحروب اختلفت بعد انتشار المُسيَّرات، بل إن تلك الطائرات الصغيرة جعلت القوة الجوية الحاسمة أمرا يسهُل الحصول عليه بواسطة قوى متوسطة بل في أغلب الأحيان تثير الهجمات بواسطة طائرات مسيرة معضلات قانونية وأخلاقية معقدة. مدى دقة هجمات هذه الطائرات يتوقف على دقة المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها. وقد ثبت أن الأمل في إمكانية كبح استخدامها بطريقة ما من خلال معاهدات الحد من التسلح أقرب إلى الخيال. في حين أن الولايات المتحدة كانت مترددة في تصدير تقنيتها الرائدة إلى أي بلد سوى أقرب حلفائها، فإن آخرين ليسوا بحرص الولايات المتحدة. في الواقع ، يبدو أن انتشار الطائرات المسيرة يجري على قدم وساق. وتمتلك أكثر من مئة دولة وجماعة طائرات مسيرة، ويمكن للعديد من الجهات الفاعلة الوصول إلى مسيرات مسلحة. يبدو أن انتشار هذه الأنظمة سيستمر. ويقول إن « الصين هي إلى حد بعيد المصدر الرئيسي للطائرات المسيرة المسلحة في جميع أنحاء العالم. لكن الطائرات المسيرة ليست في متناول القوى العسكرية الرائدة. فالقوى المتوسطة مثل إيران وتركيا لديها إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الطائرات المسيرة وتبيع هذه الأنظمة إلى الخارج ».أن « تكنولوجيا الطائرات المسيرة التجارية متوفرة على نطاق واسع ويمكن لأي شخص تصنيع طائرة مسيرة هجومية بكلفة لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات وبعض الجماعات الإرهابية لديها هذه القدرات ». ومتأزِّمة اقتصاديا، ويسهُل أيضا تصديره لحلفائها بشكل يعيد رسم سير المعارك في دول تبعُد عنها آلاف الأميال
المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا
تعتبر مقالة في « واشنطن بوست » نشرت في أغسطس الماضي أنه لكي تعزز القدرات العسكرية الروسية التي نضبت بسبب الحرب في أوكرانيا بدأت إيران بتسليم موسكو « مئات » المسيّرات الانتحارية، بحسب مسؤولي الاستخبارات، وربما كانت هذه الطائرات جزءاً من سلسلة « شهيد » وهي بحجم « بريدايتور » الأميركية واستخدمتها طهران بنجاح في العراق وسوريا. وفي 15 يوليو (تموز) الماضي تحدث مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى شبكة « سي أن أن » قائلاً إن إيران « تحضر من أجل تزويد روسيا بمئات المركبات من دون طيار، بما فيها المسيّرات المحملة بالسلاح » وإن وفداً روسياً فحص نماذج منها في قاعدة جوية إيرانية وأكدت طهران بعدها لوزير الخارجية الأوكرانية أن التقارير الأميركية غير صحيحة. وفي الحقيقة يقوم الروس بتعجيل نقل المسيّرات الإيرانية إلى ساحة المعركة، بحسب الصحيفة وأخبرت متحدثة باسم مجلس الأمن القومي كاتب المقالة ديفيد أغناتيوس أن « المسؤولين الروس أكملوا في الأسابيع الماضية تدريبات كجزء من عمل نقل المسيّرات ». وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي خلال خطاب له أن قوات بلاده للدفاع الجوي أسقطت طائرات إيرانية من دون طيار في منطقة دنيبروبتروفسك الشرقية ومدينة أوديسا الجنوبية بما في ذلك ميناء بيفديني القريب المستخدم لتصدير الحبوب، وحددتها القوات الجوية الأوكرانية على أنها طائرات من دون طيار إيرانية الصنع من طرازي « شاهد -136″ و »مهاجر -6 » اللتين يمكن استخدامهما لحمل الصواريخ أو للاستطلاع. وكان زيلينسكي قال إن أوكرانيا ألغت اعتماد السفير الإيراني وخفضت عدد الموظفين الدبلوماسيين في السفارة الإيرانية لدى كييف رداً على إرسال طهران للطائرات من دون طيار إلى روسيا. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعانين نفى استخدام الجيش الروسي طائرات مسيّرة إيرانية الصنع في حرب أوكرانيا وقال إن بلاده تنفي صحة هذه الأخبار عن تسليم طائرات مسيّرة لموسكو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية. وترى صحيفة « ديلي بيست » في تقرير لها في يوليو الماضي أن برنامج الطائرات من دون طيار المحلي لروسيا « باهت »، فقد خسر الجيش حرب الطائرات المسيّرة في أوكرانيا وتحتاج موسكو إلى شراء « درون قتالية » لمعالجة ضعف قدرتها في ساحة المعركة الأوكرانية. ويمكن لطائرات إيران من دون طيار القيام بـ »عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وإطلاق الذخائر النارية أو الاصطدام بالهدف والانفجار ». ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين أميركيين فإن إيران عرضت طائرات من دون طيار مثل « شاهد 191″ و »شاهد 129 » على وفد روسي وللمسيّرات الإيرانية دور بارز في الحرب باليمن حيث استخدمت لمهاجمة أهداف عسكرية ومحاولة اغتيال مسؤولين يمنيين ومهاجمة المنشآت النفطية السعودية. وتشير « ديلي بيست » إلى أن « الدرون الإيرانية ربما تسمح لروسيا » بضرب أهداف أوكرانية « بعيدة المدى » بعدما فقدت موسكو العشرات من طائراتها المسيّرة خلال الحرب
Laisser un commentaire