ما السر وراء بناء الأهرامات والمعابد الضخمة.. ؟
وصف الكاتب والباحث جون ويست التعقيد والدقة التي شيد بها المصريون القدماء الأهرامات والمسلات والمعابد بجملة تعبيرية بسيطة جداً، حين قال إن الأمر يبدو وكأنك عثرت على سيارة بورشه جديدة، حيث يجب أن تجد عربة خشب نخرها النمل الأبيض. وكان ويست يشير إلى أنه من غير الممكن أن تتمكن التماثيل والمسلات بنحتها الدقيق الذي يصل إلى فروق بأجزاء من المليمتر، من الوقوف في مكانها عشرات آلاف السنين بثقل وزنها فقط، وهي نحتت في الجرانيت الأحمر أو الأسود، وهو من الصخور الصلدة، بواسطة أزاميل ومطارق بدائية يتم عرضها في المتاحف.
جون ويست واحد من الباحثين المعاصرين الذين يرون الآثار المصرية أو غيرها من الآثار التي تركتها الشعوب والحضارات حول العالم في الفترة الزمنية نفسها، بأنها قد بنيت من قبل عمال ومهندسين مهرة ويملكون أدوات ذات تقنية عالية لم نعرفها حتى اليوم. أولاً لأن المصريين القدماء الذين تركوا البرديات والكتابات الهيروغليفية لم يتركوا أية معلومات حول كيفية تشييد ونحت أي أثر مما تركوه. وثانياً لأن المكتشفات الأثرية حتى اليوم لم تظهر إلا قليلاً من المعدات المعروضة في المتاحف حول العالم. ويكتب المهندس المعماري المهووس بتركة المصريين القدماء الهندسية كريستوفر دن في كتابه « التقنيات المفقودة في مصر القديمة »، الذي صدرت منه عشرات الطبعات في جميع اللغات، بأن « هناك ميلاً لإضفاء الطابع الرومانسي على قدرات المصريين القدماء على رغم أنهم شيدوا هياكل إعجازية قياساً بهياكلنا الهندسية المعاصرة. وهذا ما يشكل تحدياً لتقنياتنا ولنظرتنا عن مدى تقدمنا. لقد كانوا أذكياء جداً لسبب ما في استخدام العصي والحجارة لبناء ما بنوه كما يريد علماء المصريات إيهامنا ». وبسبب نظرياته حول تقنيات المصريين الهندسية والمعمارية المتقدمة جداً يعتبر كريستوفر دن من المغردين خارج سرب النظريات التاريخية والهندسية ويخالف الاستنتاجات التي توصل إليها علم الآثار وسائر العلوم المرتبطة به، من علوم التشريح إلى علوم التاريخ وتفكيك ألغاز الأساطير، وعلى رأسها علم « المصريات » الذي بات مستقلاً بذاته. ويرد دن على منتقديه بكونه مهندساً ينظر إلى جزء من اللوحة وليس إلى تفاصيلها التاريخية والحضارية، بأن السياق الهندسي هو سياق ثقافي في حد ذاته وأقل عرضة للغموض من السياق الثقافي للمومياوات والأواني الفخارية التي يمكن وضعها في المكان الهندسي بعد عقود أو حتى قرون من تشييد المبنى. مما يثير حيرة باحثين وعلماء كثر عدم تسجيل أية معلومات حول أسرار البناء في أي من البرديات المكتشفة حتى اليوم أو حتى في الكتابات الهيروغليفية المنتشرة في المعابد ومقابر الملوك والملكات، ومقابر النبلاء ولا حتى في مقابر العمال المكتشفة حديثاً، التي اعتبرت الاكتشاف الأهم في القرن الـ21. ويمكن اعتبار كل المعلومات المتوافرة إشارة واضحة حول أنهم كانوا يقومون بترميم المباني لا أكثر، خصوصاً وأن كل المعدات المعروضة في المتاحف العالمية لا يمكنها أن تقوم بأعمال الترميم لأنها غير صالحة لقطع الجرانيت ومن ثم نحته في أشكال ليبدو النحاتون القدماء كما لو أنهم يقومون بعمل سهل ويسير ولا يحتمل الخطأ.
النظريات المتداولة حول بناء الأهرامات والمعابد الضخمة ورفع المسلات التي تزن مئات الأطنان، ونقلها من محاجرها البعيدة مئات الكيلومترات في أسوان إلى الأقصر ثم نحتها بدقة حسابية ورفعها في أماكنها، كلها لا تزال نظريات متصارعة بين فرق العلماء الكثيرة وبعضها متناقض تماماً. المهندس المصري أحمد عدلي والباحث في الحضارة المصرية القديمة، استقى معظم أبحاثه من استنتاجات توصل إليها علماء مصريون منذ أوساط القرن الـ20، ولكن تم تحييدهم عن الخطاب الرسمي المكرس، وكذلك من أبحاث علماء غربيون من مختلف الجنسيات لم يصدقوا أن نحت الجرانيت الأحمر أو الأسود بهذه الدقة تم بآلات بسيطة خصوصاً وأن الجرانيت من أقسى الأحجار وأصلدها على سلم « الصلادة » المعتمد للمعادن، الذي يبدأ في أسفله بالشمع والأملاح وتليها الأحجار الكلسية، وينتهي بالجرانيت والدوريت وصولاً إلى الماس. وما يزيد طين هذا البحث بلة هو أنه قبل 3500 سنة قبل الميلاد لم يكن الحديد قد اكتشف بعد، وكان العصر البرونزي في منتصفه. وبرأي الباحث عدلي كان النحات المصري القديم يملك أدوات قادرة على نحت الجرانيت الذي يتم قطعه اليوم بمناشير خاصة بداخلها الماس، وكان يتمتع بحرفية عالية في النحت تثير الشك حول الأدوات التي استخدمها. فالتمثال الذي يبلغ وزنه مئات الأطنان من الجرانيت، سيصبح بلا أية قيمة في ما لو كسر النحات بضربة خاطئة استدارة أذنه أو فتحة أنفه أو أفقية العينين، في تماثيل حيوانات أنصاف بشر أو تماثيل أبو الهول المنتشرة في كل مكان، أو لمسلات من الجرانيت الأحمر نقل عدد كبير منها إلى عواصم العالم، ورفعت في ساحتها الرئيسة. هذا التكرار والتشابه التام بين الشخصيات المنحوتة لا يدل على أنها متروكة لمزاج النحات. فيقال إن تماثيل رمسيس الثاني التي وجدت بحجم كبير في الأقصر جنوب مصر تشبه تماماً مثيلاتها التي وجدت بأحجام صغيرة على بعد آلاف الكيلومترات في حفريات شمال مصر. بل ووجد المدققون أن القسمات هي نفسها وتطابقت بشكل لا مثيل له حين دققت على أجهزة الكومبيوتر الحديثة.
المسلات التي يسلم علم الآثار بأنها نصب للاحتفالات بانتصار أو تتويج ملك، مثال آخر على الإعجاز الهندسي، فهي تقتطع في مقالع الجرانيت في أسوان جنوب مصر، وما يثير حيرة العلماء حتى اليوم كيفية حفرها في المقلع ثم رفعها من مكانها لنقلها، مع العلم أن أصغر مسلة تزن 100 طن. والحيرة تطاول عملية نقلها إلى مدينة الأقصر البعيدة، ثم هناك التساؤل الأهم وهو كيف يتم إيقافها في مكانها من دون أية مادة تثبتها. وكل الإجابات عن هذه الأسئلة لم ترض أي من الباحثين غير الموافقين على الرواية الرسمية. ويستشهد المهندس عدلي بعملية نقل إحدى مسلتي معبد الكرنك في الأقصر إلى ساحة الكونكورد في باريس، بعدما أهداهما محمد علي باشا للحكومة الفرنسية بعد افتتاح قناة السويس في الأعوام الأخيرة من القرن الـ18، وقد احتاجت عملية النقل إلى ما يقارب ثمانية أشهر، وتكلفت ملايين الجنيهات الاسترلينية واحتاجت إلى آلاف أعمال وإلى بناء قرية للعمال بقرب المعبد خلال عملية النقل. وقد تخلى الفرنسيون عن المسلة الثانية نظراً إلى كلفة النقل ومشقته، منذ إنزال المسلة عن قاعدتها حتى رفعها على قاعدتها في باريس، وقد قتل خلال العملية عدد غير قليل من العمال. هذا في العصر الحديث، عصر رافعات الحديد من كل الأحجام والهندسة المتقدمة، فكيف الحال لدى المصريين القدماء وبناة أهرام الأزتيك أو معبد البانثيون في اليونان أو قلعة بعلبك في لبنان؟ الذين ما زال علم الآثار وعلم الاجتماع التاريخي يصفهم بأنهم شعب بدائي من الفلاحين والمزارعين.
هناك نظريات لآثاريين شباب يرغبون في إعادة تأريخ كل الحقبة الحضارية السابقة على افتراض منهم بأن التأريخ الحالي قد أخطأ في تحديد الزمن الذي بنيت فيه هذه المعابد، بعد افتراض أن الحضارة بدأت قبل سبعة آلاف سنة في بلاد ما بين النهرين. وأن الآثار المصرية كلها تعود إلى ما قبل ذلك بستة قرون على الأكثر، ويعتقد هؤلاء العلماء وبدعم من أدلة كثيرة يعرضونها في أبحاثهم وبرامجهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وثائقيات عديدة على شبكة « نتفليكس »، بأن هناك حقبتين بشريتين واحدة سابقة على العصر الجليدي الأخير أي قبل 12800 سنة، وأخرى بدأت مجدداً من الصفر بعد فيضان كبير نتج من ذوبان الجليد حول العالم. ويدعمون مقولاتهم بالأسطورة العالمية حول الفيضان والموجودة في كل الثقافات حول العالم حتى البعيدة في المحيط الهندي وفي جزر « الفصح » وهاواي وهاييتي وفي جميع ثقافات الشرق الأقصى. ومنها أدلة مثل جسم « أبو الهول » الصخري الذي تأكد العلماء من تعرضه للنحت والتآكل بسبب جريان المياه من حوله لفترة زمنية طويلة، والأمر ينطبق على أماكن أثرية في أنحاء العالم، ومنها مدن كثيرة غارقة تحت المياه كدليل على ارتفاع سطح البحر بشكل مفاجئ، والمدن الغارقة على ضفاف القارات. والبحر الأبيض المتوسط خير دليل على ارتفاع المياه المفاجئ، التي باتت تظهر بسهولة بسبب التطور المشهود في آلات الرصد والبحث من الأقمار الاصطناعية إلى الغواصات الصغيرة. علماء الآثار المعاصرون، ومنهم المصري عدلي الذي بدأت نظرياته التي ينشرها في برنامجه « الحضارة المفقودة » عبر « يوتيوب »، باتوا ينشرون نظرياتهم التي تهدف إلى إطاحة كل ما توصلت إليه علوم الآثار والتأريخ حتى اليوم، التي حصرت كل الحضارة البشرية في حقبة واحدة مدتها في أقصاها لا تتعدى سبعة آلاف سنة، هذا على رغم اتفاق الجميع على أن عمر تمثال أبو الهول مثلاً لا يقل عن تسعة آلاف سنة. ومن بين ما يرفضه هؤلاء اعتبار أن حضارات المايا والأزتيك في القارة الأميركية قد كانت في أوج عمرها قبل 1000 سنة كما هو معروف عالمياً الآن. منذ أفلاطون وسترابو المؤرخ اليوناني الشهير إلى المؤرخين العرب مثل القزويني وابن بطوطة إلى حملة نابليون بونابرت الأخيرة التي اكتشف خلالها حجر رشيد، الذي فكك حروفه العالم الفرنسي شامبليون وتمكن من ترجمة الهيروغليفية، كل ما تم تداوله حول الحضارة المصرية القديمة لم يجب بعد عن كامل الأسئلة المطروحة التي تحاول التأكيد بأن حضارة متطورة وجدت في زمن أبعد بكثير مما تم التسليم به، وكانت تتعامل مع معنى وجودها وتستغل معارفها بطريقة مختلفة عما نفعل نحن اليوم. ينتشر اعتراض الباحثين بشكل متسارع حول العالم، ومنهم الصحافي المعروف في شبكة « بي بي سي » العالمية جون غوردن الذي يحاول منذ شبابه إثبات أن التأريخ المعمول به لكل الحضارة البشرية، ناتج من ضغط مارسته الكنيسة على العلماء الذين رافقوا حملة نابليون على مصر الذين أرجعوا الأهرامات وأبو الهول إلى عشرات آلاف السنين، وهذا التأريخ يتعارض مع نصوص العهد القديم، بل وقد يظهر أن هناك حقبتين تاريخيتين منفصلتين انتهت إحداهما وبدأت أخرى من الصفر. وعليه فإن المصريين الذين كتبوا بالهيروغليفية على المسلات أو على التماثيل الضخمة وداخل المعابد، وجدوها كلها كما وجدناها نحن اليوم، وأرجعوها إلى آلهة وأنصاف آلهة، وإلى قوى غريبة من السماء علمت البشر علوماً جديدة. وهذا ما دونوه على جدران المعابد.
Laisser un commentaire