الغضب يتواصل بشوارع فرنسا احتجاجا على تعديل سن التقاعد
رشاد العلي – باريس – يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخطر تحد لسلطته منذ ما يعرف باحتجاجات السترات الصفراء، وذلك مع اشتداد المعارضة في وجهه غداة تمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد بالقوة، واستعداد أحزاب المعارضة لتقديم مذكرات بحجب الثقة بينما يتصاعد الغضب في الشارع. وشهدت البلاد اضطرابات عنيفة خلال الليل، أحرقت خلالها سيارات في باريس ومدن فرنسية أخرى بعد أن اتسمت التظاهرات بالسلمية سابقاً وشارك فيها الآلاف. وحثت النقابات العمالية العمال على التصعيد وأغلقت لفترة وجيزة الطريق الدائري في باريس الجمعة. وقال زعيم اليسار المتطرف جون لوك ميلونشون « حدث شيء مهم وهو أن حشوداً تلقائية تجمعت في مختلف أنحاء البلاد ». وأضاف « بكل وضوح أشجعهم ». ويمد تعديل المعاشات سن التقاعد عامين ليكون عند 64 سنة، وهو ما تقول الحكومة إنه ضروري لضمان ألا تفلس المنظومة، في حين لا تتفق معها النقابات وغالب المواطنين. والفرنسيون مرتبطون بشدة بإبقاء سن التقاعد الرسمي عند 62 سنة، وهو من بين الأقل بين نظرائه في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور لتبني مشروع القانون من دون تصويت في الجمعية الوطنية نكسة بالنسبة إلى ماكرون، الذي رهن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح، جاعلاً منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية. وبعد إجراء الحكومة تبني الإصلاح بالقوة سيسعى المعارضون إلى دفع السلطة التنفيذية إلى أزمة سياسية. ومن المرجح أن تقدم ثلاثة تشكيلات مذكرات بحجب الثقة قبل انتهاء المهلة في منتصف بعد الظهر، هي « التجمع الوطني » اليميني المتطرف وائتلاف الأحزاب اليسارية « نوبيس » ومجموعة وسطية صغيرة منشقة. وسيتم التصويت عليها بعد 48 ساعة في الأقل، وعلى الأرجح الإثنين. ومن أجل إسقاط الحكومة ينبغي أن تجمع غالبية مطلقة من النواب. ويبدو ذلك صعب التحقيق، في ظل الغالبية النسبية التي يملكها الائتلاف الحكومي، بينما أكد حزب « الجمهوريين » اليميني الذي يلعب دوراً محورياً أنه لن يصوت لصالح أي منها، ولكن بعض نواب « الجمهوريين » المتمردين قد يخرجون عن خط الإجماع الرسمي على مستوى حزبهم. وقال النائب عن « الجمهوريين » أوريليان برادييه لقناة « بي أف أم تي في »، « نواجه مشكلة ديمقراطية لأن هذا النص الذي سيغير حياة الفرنسيين سيتم تبنيه من دون أن يجري أدنى تصويت في الجمعية الوطنية ». وأضاف « على الكل أن يقدر خطورة الوضع وخطر القطيعة الديمقراطية الذي تواجهه بلادنا ».
بدورها ستسعى النقابات إلى بث روح جديدة في التظاهرات والإضرابات التي تؤثر في حياة الفرنسيين منذ منتصف يناير (كانون الثاني)، والتي بدأ زخمها يتراجع. ودعت النقابات إلى تجمعات الجمعة وخلال نهاية الأسبوع، إضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس في 23 مارس (آذار). ونددت بتمرير مشروع القانون بـ »القوة »، مشيرة إلى « المسؤولية التي تتحملها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار، وهو إنكار حقيقي للديمقراطية ». في هذه الأثناء قامت قوات إنفاذ القانون مساء الخميس بتفريق متظاهرين في ساحة الكونكورد حيث تجمع آلاف المحتجين. وتم اعتقال 310 أشخاص بينهم 258 شخصاً في باريس وحدها، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان مساء لشبكة « إر تي أل ». كما وقعت حوادث في مدن كبرى أخرى مثل رين ونانت وأميان وليل وغرونوبل. وفي مارسيليا (جنوب) حطم شبان ملثمون واجهة أحد المصارف ولوحة إعلانية، بينما أضرم آخرون النار في حاويات قمامة هاتفين « تسقط الدولة والشرطة وأرباب العمل » لتنتشر رائحة سيّئة في أرجاء عاصمة الأضواء باريس. بحسب ما أفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت كارين مانتوفاني وهي متظاهرة في غرونوبل « كنت أقول لنفسي إنهم سيحترمون الديمقراطية قليلاً. من الواضح أنني ساذجة للغاية لذلك فوجئت، كنت أعتقد أنهم لن يجرؤوا على استخدام المادة 49.3 ». وأضافت « الكل يتذمر ولكن من دون أن يحصل تحرك »، مبدية « غضبها
من جهتها، دعت رئيسة كتلة « النهضة » (الحزب الرئاسي) في الجمعية الوطنية أورور بيرجي الخميس وزير الداخلية إلى « تعبئة أجهزة الدولة… لحماية نواب » الغالبية. وتتبادل الحكومة والمعارضة الاتهامات في شأن دفع البلاد إلى العنف. واتهم النائب عن حزب الخضر الذي ينتمي إلى ائتلاف الأحزاب اليسارية (نوبيس) جوليان بايو الحكومة الخميس بأنها « مستعدة لإثارة الخراب في البلاد ». من جهتها أعربت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن عن « صدمتها الكبيرة » حيال سلوك بعض نواب المعارضة، وحذرت من أنهم « يريدون الفوضى في الجمعية الوطنية وفي الشارع ». وتسببت الإضرابات المستمرة منذ أيام في قطاعات الطاقة والموانئ وجمع النفايات في إحداث اضطرابات، ففي باريس حيث تغطي أطنان النفايات عدداً من الشوارع ستقوم السلطات باستدعاء موظفين لإزالة القمامة. ووفقاً لبورن فإن قرار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور اتخذ « جماعياً » بين الحكومة ورئيس الدولة. غير أنه ينظر إليه على نطاق واسع على أنه انتكاسة لماكرون بعد عدة أسابيع من المحادثات مع الأحزاب السياسية والنقابات. واعتبرت صحيفة « لوموند » أن تمرير المشروع بالقوة « كاشف لعزلة إيمانويل ماكرون ». وقالت صحيفة « ليبراسيون » اليسارية إن « بقية فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات ستواجه عقبات بصورة دائمة ». من جهته، تحدث الأمين العام لـ »الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل » لوران برجيه عن « غرق ». حتى إن مسؤولاً في المجموعة الرئاسية في الجمعية الوطنية اعتبر أن « هذا تحطم ». وأضاف مشترطاً عدم الكشف عن هويته « يجب حل » الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. ووفقًا لقواعد الدستور الفرنسي، سيصبح مشروع قانون التقاعد قانونًا ما لم ينجح اقتراح حجب الثقة عن الحكومة في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)
Laisser un commentaire